مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{يَوۡمَئِذٖ لَّا تَنفَعُ ٱلشَّفَٰعَةُ إِلَّا مَنۡ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحۡمَٰنُ وَرَضِيَ لَهُۥ قَوۡلٗا} (109)

الصفة الرابعة : قوله : { يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا } قال صاحب «الكشاف » : من يصلح أن يكون مرفوعا ومنصوبا فالرفع على البدل من الشفاعة بتقدير حذف المضاف إليه أي لا تنفع الشفاعة إلا شفاعة من أذن له الرحمن والنصب على المفعولية ، وأقول : الاحتمال الثاني أولى لوجوه : الأول : أن الأول يحتاج فيه إلى الإضمار وتغيير الأعراب والثاني : لا يحتاج فيه إلى ذلك . والثاني : أن قوله تعالى : { لا تنفع الشفاعة } يراد به من يشفع بها والاستثناء يرجع إليهم فكأنه قال : لا تنفع الشفاعة أحدا من الخلق إلا شخصا مرضيا . والثالث : وهو أن من المعلوم بالضرورة أن درجة الشافع درجة عظيمة فهي لا تحصل إلا لمن أذن الله له فيها وكان عند الله مرضيا ، فلو حملنا الآية على ذلك صارت جارية مجرى إيضاح الواضحات ، أما لو حملنا الآية على المشفوع له لم يكن ذلك إيضاح الواضحات فكان ذلك أولى ، إذا ثبت هذا فنقول : المعتزلة قالوا : الفاسق غير مرضي عند الله تعالى فوجب أن لا يشفع الرسول في حقه لأن هذه الآية دلت على أن المشفوع له لا بد وأن يكون مرضيا عند الله . واعلم أن هذه الآية من أقوى الدلائل على ثبوت الشفاعة في حق الفساق لأن قوله ورضي له قولا يكفي في صدقه أن يكون الله تعالى قد رضي له قولا واحدا من أقواله ، والفاسق قد ارتضى الله تعالى قولا واحدا من أقواله وهو : شهادة أن لا إله إلا الله . فوجب أن تكون الشفاعة نافعة له لأن الاستثناء من النفي إثبات فإن قيل إنه تعالى استثنى عن ذلك النفي بشرطين : أحدهما : حصول الإذن . والثاني : أن يكون قد رضي له قولا ، فهب أن الفاسق قد حصل فيه أحد الشرطين وهو أنه تعالى قد رضي له قولا ، لكن لم قلتم إنه أذن فيه ، وهذا أول المسألة قلنا : هذا القيد وهو أنه رضي له قولا كاف في حصول الاستثناء بدليل قوله تعالى : { ولا يشفعون إلا لمن ارتضى } فاكتفى هناك بهذا القيد ودلت هذه الآية على أنه لا بد من الإذن فظهر من مجموعهما أنه إذا رضي له قولا يحصل الإذن في الشفاعة ، وإذا حصل القيدان حصل الاستثناء وتم المقصود .