اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{يَوۡمَئِذٖ لَّا تَنفَعُ ٱلشَّفَٰعَةُ إِلَّا مَنۡ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحۡمَٰنُ وَرَضِيَ لَهُۥ قَوۡلٗا} (109)

قوله : { يَوْمَئِذٍ } بدلٌ مما تقدم{[26879]} ، أو منصوبٌ بما بعده " لاَ " عند من يجيز ذلك{[26880]} والتقدير : يومَ إذ يَتَّبِعُونَ لا تنفَعُ الشَّفَاعَةُ{[26881]} .

قوله : { إِلاَّ مَنْ أَذِنَ } فيه أوجه :

أحدها : أنه منصوب على المفعول به ، والناصب له " تَنْفَعُ " {[26882]} و " مَنْ " حينئذ واقعة على المَشْفُوعِ له{[26883]} .

الثاني : أنَّه في محل رفع بدلاً من " الشَّفاعة " {[26884]} ، ولا بدَّ من حذف مضاف تقديره : إلا شَفَعَةُ مَنْ أذِنَ لَه{[26885]} .

الثالث : أنه منصوب على الاستثناء من " الشفاعة " بتقدير المضاف المحذوف وهو استثناء متصل على{[26886]} هذا{[26887]} ، ويجوز{[26888]} أن يكون استثناء منقطعاً إذا لم نقدر شيئاً{[26889]} وحينئذ يجوز أن يكون منصوباً وهي لغة الحجاز ، أو مرفوعاً وهي{[26890]} لغة تميم{[26891]} ، وكل هذه الأوجه واضحة .

( و " لَهُ " ){[26892]} في الموضعين{[26893]} للتعليل{[26894]} كقوله : { قَالَ الذين كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمنوا }{[26895]} أي لأجله ولأجلهم .

فصل

المعنى : { لاَّ تَنفَعُ الشفاعة } أحداً من الناس { إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحمن } أي : إلا من أذن له الله أن يشفع له{[26896]} { وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً } أي رضي قوله{[26897]} .

قال ابن عباس : يعني قَالَ : لاَ إلَهَ إلاَّ الله . وهذا يدل على أنه لا يشفع لغير المؤمنين{[26898]} . وقالت المعتزلة{[26899]} : الفاسق غير مرضيٍّ عند الله{[26900]} ، فوجب أن لا يشفع الرسول في حقه . وهذه الآية من أقوى{[26901]} الدلائل على ثبوت{[26902]} الشفاعة في حق الفساق ، ( لأن قوله : { وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً } يكفي صدقه أن يكون الله تعالى قد رَضِيَ له قولاً واحداً من أقواله ){[26903]} ، والفاسق قد ارتضى الله من قوله{[26904]} شهادة أنْ لاَ إلهَ إلاَّ الله . فوجب أن تكون الشفاعة نافعة له ، لأن الاستثناء من النفي إثبات فإن{[26905]} قيل : إنَّه تعالى استثنى من ذلك النفي بشرطين : أحدهما حصول الإذن . والثاني : أن يكون رَضِيَ له قولاً . فهب أنَّ الفاسق قد حصل فيه أحد الشرطين ، وهو أنه تعالى{[26906]} رضِيَ{[26907]} له قولاً ، فلم قلتم : إنه{[26908]} أذن فيه ؟

فالجواب أنَّ هذا القيد كافٍ في حصول الاستثناء لقوله تعالى : { لاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارتضى }{[26909]} فاكتفى هناك بهذا القيد . ودلَّت هذه الآية على أنه لا بد من الإذن ، فظهر من مجموعهما أنه{[26910]} إذا رضي له قولاً يحصل{[26911]} الإذن في الشفاعة ، وإذا حصل القيدان حصل الاستثناء وتم المقصود{[26912]} .


[26879]:أي: من "يومئذ يتبعون الدّاعي". البحر المحيط 6/280.
[26880]:قيل: إن "لا" ليس لها الصدر بخلاف "ما" وتقدم معمول ما بعدها عليها في نحو قوله تعالى: {يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها} [الأنعام: 158] دليل على ذلك. اللهم إلا أن تقع في جواب القسم، فإن الحروف التي يتلقى بها القسم كلها لها المصدر. وقيل: لها الصدر مطلقا. وقيل: لا مطلقا. المغني 1/245.
[26881]:انظر البحر المحيط 6/280.
[26882]:في ب: يقع. وهو تحريف.
[26883]:انظر التبيان 2/904، البحر المحيط 6/280. على أن الاستثناء مفرغ.
[26884]:في ب: من الشفاعة ذا. وهو تحريف.
[26885]:انظر التبيان 2/905، البحر المحيط 6/280. على أن الاستثناء متصل، وإعراب المستثنى بدلا من المستثنى منه مذهب البصريين، وعند الكوفيين عطف نسق لأن "إلا" عندهم من حروف العطف في الاستثناء خاصة. الأشموني 2/145.
[26886]:في ب: وعلى.
[26887]:لأنه بهذا التقدير يكون المستثنى بعضا من المستثنى منه.
[26888]:في ب: يجوز.
[26889]:لأنه بدون تقدير المضاف يكون المستثنى غير المستثنى منه.
[26890]:في الأصل: وهو. وهو تحريف.
[26891]:لأن المستثنى في الاستثناء المنقطع التام المنفي يجب نصبه عند الحجازيين وعند بني تميم يجيزون أن يتبع المستثنى المستثنى منه على أنه بدل. فقوله: "من أذن" منصوب على الاستثناء عند الحجازيين ومرفوع على البدل عند بني تميم. انظر الأشموني 2/146 – 147.
[26892]:ما بين القوسين سقط من ب.
[26893]:والوضعان هما: "من أذن له" و"رضي له" البحر المحيط 6/280.
[26894]:للتعليل: سقط من ب.
[26895]:[مريم: 73].
[26896]:في ب: عنده. وهو تحريف.
[26897]:في ب: أي ورضي قولا.
[26898]:انظر البغوي 5/459.
[26899]:من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي 22/118 – 119.
[26900]:في ب: الله تعالى.
[26901]:في ب: وهذا من أقوى.
[26902]:في ب: قبول.
[26903]:ما بين القوسين سقط من ب.
[26904]:في ب: أقواله. وهو تحريف.
[26905]:في ب: فإنه. وهو تحريف.
[26906]:في ب: وهو أن الله.
[26907]:قد: سقط من الأصل.
[26908]:أنه: سقط من الأصل.
[26909]:[الأنبياء: 28].
[26910]:في الأصل: على أنه.
[26911]:في النسختين لا يحصل.
[26912]:آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي 22/118 – 119.