تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَمۡ يَقُولُونَ ٱفۡتَرَىٰهُۖ قُلۡ فَأۡتُواْ بِسُورَةٖ مِّثۡلِهِۦ وَٱدۡعُواْ مَنِ ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (38)

{ أَمْ يَقُولُونَ ْ } أي : المكذبون به عنادًا وبغيًا : { افْتَرَاهُ ْ } محمد على الله ، واختلقه ، { قُلْ ْ } لهم -ملزما لهم بشيء- إن قدروا عليه ، أمكن ما ادعوه ، وإلا كان قولهم باطلاً .

{ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ْ } يعاونكم على الإتيان بسورة مثله ، وهذا محال ، ولو كان ممكنًا لادعوا قدرتهم على ذلك ، ولأتوا بمثله .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{أَمۡ يَقُولُونَ ٱفۡتَرَىٰهُۖ قُلۡ فَأۡتُواْ بِسُورَةٖ مِّثۡلِهِۦ وَٱدۡعُواْ مَنِ ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (38)

وقوله - سبحانه { أَمْ يَقُولُونَ افتراه } انتقال من بيان كون القرآن من عند الله ، إلى بيان مزاعمهم فيه .

وأم هنا منقطعة بمعنى بل والهمزة للاستفهام ، أى : بل أيقولون إن محمداً - صلى الله عليه وسلم - هو الذي أتى بهذا القرآن من عند نفسه لا من عند الله .

وقوله { قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وادعوا مَنِ استطعتم مِّن دُونِ الله } أمر من الله - تعالى - لنبيه - صلى الله عليه وسلم - بأن يرد عليهم بما يكبتهم ويخرس ألسنتهم .

أى : قل لهم : يا محمد على سبيل التبكيت والتحدي : إن كان الأمر كما زعمتم من أنى أنا الذي اختلقت هذا القرآن ، فأتوا أنتم يا فصحاء العرب بسورة مثل سورة في البلاغة والهداية وقوة التأثير ، وقد أبحت لكم مع ذلك أن تدعو لمعاونتكم ومساعدتكم في بلوغ غايتكم كل من تستطيعون دعوته سوى الله - تعالى - وجاءت كلمة " سورة " منكرة ، للإِشارة إلى أنه لا يطالبهم بسورة معينة ، وإنما أباح لهم أن يأتوا بأية سورة من مثل سور القرآن ، حتى ولو كانت كأصغر سورة منه .

والضمير في { مثله } يعود إلى القرآن الكريم ، والمراد بمثله هنا : ما يشابهه في حسن النظم ، وجمال الأسلوب ، وسداد المعنى ، وقوة التأثير .

وقوله : { وادعوا } من الدعاء ، والمراد به هنا : طلب حضور المدعو أي نادوهم .

وكلمة { من } في قوله { مَنِ استطعتم } تشمل آلهتهم وبلغاءهم وشعراءهم وكل من يتوسمون فيه العون والمساعدة .

وكلمة { دون } هنا بمعنى غير أى : ادعوا لمساعدتكم كل من تستطيعون دعوته غير الله - تعالى - فإنه وحده القادر على أن يأتي بمثله .

وقوله : { إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } جملة شرطية ، وجوابها محذوف لدلالة الكلام السابق عليه ، أى : كنم صادقين في دعواكم أني افتريت هذا القرآن ، فهاتوا سورة مثله مفتراة ، فإنكم مثلي في العربية والفصاحة .

فأنت ترى أن الآية الكريمة قد تحدتهم وأثارت حماستهم ، وأرخت لهم الحبل ، وعرضت بعدم صدقهم ، حتى تتوافر دواعيهم على المعارضة التي زعموا أنهم أهل لها .

قال الآلوسى : " هذه الآية الدالة على إعجاز القرآن ، لأنه - صلى الله عليه وسلم - تحدي مصاقع العرب بسورة ما منه ، فلم يأتوا بذلك ، وإلا فلو أتوا بذلك لنقل إلينا ، لتوفر الدواعي على نقله " .

هذا وقد عقد صاحب الظلال فصلا طويلا للحديث عن إعجاز القرآن فقال : " وقد ثبت هذا التحدى ، وثبت العجز عنه ، وما يزال ثابتاً ولن يزال ، والذين يدركون بلاغة هذه اللغة ، ويتذوقون الجمال الفنى والتناسق فيها ، يدركون أن هذا النسق من القول لا يستطيعه إنسان وكذلك الذين يدرسون النظم الاجتماعية ، والأصول التشريعية ، ويدرسون النظام الذي جاء به هذا القرآن ، يدركون أن النظرة فيه إلى تنظيم الحاجة الإِنسانية ومقتضيات حياتها من جميع جوانبها ، والفرص المدخرة فيه لمواجهة الأطوار والتقلبات في يسر ومرونة كل أولئك أكبر من أن يحيط به عقل بشرى واحد ، أو مجموعة من العقول في جبل واحد أو في جميع الأجيال ، ومثلهم الذين يدرسون النفس الإِنسانية ووسائل الوصول إلى التأثير فيها وتوجيهها ، ثم يدرسون وسائل القرآن وأساليبه .

فليس هو إعجاز اللفظ والتعبير وأسلوب الأداء وحده ، ولكنه الإِعجاز المطلق الذي يلمسه الخبراء في هذا وفى النظم والتشريعات والتقسيمات وما إليها . . . "

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{أَمۡ يَقُولُونَ ٱفۡتَرَىٰهُۖ قُلۡ فَأۡتُواْ بِسُورَةٖ مِّثۡلِهِۦ وَٱدۡعُواْ مَنِ ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (38)

وقوله : { أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } أي : إن ادعيتم وافتريتم وشككتم في أن هذا من عند الله ، وقلتم كذبًا ومَيْنا : " إن هذا من عند محمد " ، فمحمد بشر مثلكم ، وقد جاء فيما زعمتم بهذا القرآن ، فأتوا أنتم بسورة{[14231]} مثله ، أي : من جنس القرآن ، واستعينوا على ذلك بكل من قَدرتم عليه من إنس وجان .

وهذا هو المقام الثالث في التحدي ، فإنه تعالى تحداهم ودعاهم ، إن كانوا صادقين في دعواهم ، أنه من عند محمد ، فلتعارضوه{[14232]} بنظير ما جاء به وحده واستعينوا بمن شئتم{[14233]} وأخبر أنهم لا يقدرون على ذلك ، ولا سبيل لهم إليه ، فقال تعالى : { قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا } [ الإسراء : 88 ] ، ثم تقاصر معهم إلى عشر سور منه ، فقال في أول سورة هود : { أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } [ هود : 13 ] {[14234]} ، ثم تنازل إلى سورة ، فقال في هذه السورة : { أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } {[14235]} وكذا في سورة البقرة - وهي مدنية - تحداهم بسورة منه ، وأخبر أنهم لا يستطيعون ذلك أبدا ، فقال : { فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ } الآية : [ البقرة : 24 ] .

هذا وقد كانت الفصاحة من سجاياهم ، وأشعارهم ومعلقاتهم إليها المنتهى في هذا الباب ، ولكن جاءهم من الله ما لا قِبَلَ لأحد به ، ولهذا آمن من آمن منهم بما عرف من بلاغة هذا الكلام وحلاوته ، وجزالته وطلاوته ، وإفادته وبراعته ، فكانوا أعلم الناس به ، وأفهمهم له ، وأتبعهم له وأشدهم{[14236]} له انقيادا ، كما عرف السحرة ، لعلمهم{[14237]} بفنون السحر ، أن هذا الذي فعله موسى ، عليه السلام ، لا يصدر إلا عن مُؤيَّد مُسَدد مرسل من الله ، وأن هذا لا يستطاع لبشر إلا بإذن الله . وكذلك عيسى ، عليه السلام ، بُعِث في زمان علماء الطب ومعالجة المرضى ، فكان يبرئ الأكمه والأبرص ، ويحيي الموتى بإذن الله ، ومثل هذا لا مدخل للعلاج والدواء فيه ، فعرف من عرف منهم أنه عبد الله{[14238]} ورسوله ؛ ولهذا جاء في الصحيح ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ما من نبي من الأنبياء إلا وقد أوتي من الآيات ما آمن على مثله البشر ، وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعًا{[14239]} .


[14231]:- في ت ، أ : "من مثله".
[14232]:- في ت ، أ : "فليعارضوه".
[14233]:- في ت ، أ : "وليستعينوا بمن شاءوا
[14234]:- في ت : "ما" وهو خطأ.
[14235]:- في ت : "ما" وهو خطأ.
[14236]:- في ت ، أ : "وأشهرهم".
[14237]:- في ت ، أ : "بعلمهم".
[14238]:- في ت : "من عبد الله" ، وفي أ : "من عند الله".
[14239]:- رواه البخاري في صحيحه برقم (4981) ومسلم في صحيحه برقم (152) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{أَمۡ يَقُولُونَ ٱفۡتَرَىٰهُۖ قُلۡ فَأۡتُواْ بِسُورَةٖ مِّثۡلِهِۦ وَٱدۡعُواْ مَنِ ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (38)

{ أم يقولون } بل أيقولون . { افتراه } محمد صلى الله عليه وسلم ومعنى الهمزة فيه للإنكار . { قل فأتوا بسورة مثله } في البلاغة وحسن النظم وقوة المعنى على وجه الافتراء فإنكم مثلي في العربية والفصاحة وأشد تمرنا في النظم والعبارة . { وادعوا من استطعتم } ومع ذلك فاستعينوا بمن أمكنكم أن تستعينوا به . { من دون الله } سوى الله تعالى فإنه وحده قادر على ذلك . { إن كنتم صادقين } أنه اختلقه .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أَمۡ يَقُولُونَ ٱفۡتَرَىٰهُۖ قُلۡ فَأۡتُواْ بِسُورَةٖ مِّثۡلِهِۦ وَٱدۡعُواْ مَنِ ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (38)

{ أم } للإضراب الانتقالي من النفي إلى الاستفهام الإنكاري التعجيبي ، وهو ارتقاء بإبطال دعواهم أن يكون القرآن مفترًى من دون الله .

ولما اختصت { أم } بعطف الاستفهام كان الاستفهام مقدراً معها حيثما وقعت ، فالاستفهام الذي تشعر به ( أم ) استفهام تعجيبي إنكاري ، والمعنى : بل أيقولون افتراه بعدما تبين لهم من الدلائل على صدقه وبراءته من الافتراء .

ومن بديع الأسلوب وبليغ الكلام أن قدم وصف القرآن بما يقتضي بعده عن الافتراء وبما فيه من أجل صفات الكتب ، وبتشريف نسبته إلى الله تعالى ثم أعقب ذلك بالاستفهام عن دعوى المشركين افتراء ليتلقى السامع هذه الدعوى بمزيد الاشمئزاز والتعجب من حماقة أصحابها فلذلك جعلت دعواهم افتراءه في حيز الاستفهام الإنكاري التعجيبي .

وقد أمر الله نبيه أن يجيبهم عن دعوى الافتراء بتعجيزهم ، وأن يقطع الاستدلال عليهم ، فأمرهم بأن يأتوا بسورة مثله . والأمر أمر تعجيز ، وقد وقع التحدي بإتيانهم بسورة تماثل سور القرآن ، أي تشابهه في البلاغة وحسنِ النظم . وقد تقدم تقرير هذه المماثلة عند تفسير قوله تعالى : { وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله في سورة البقرة ( 23 ) .

وقوله : وادْعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين هو كقوله في آية البقرة ( 23 ) : { وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين } ، ومعنى { صادقين } هنا ، أي قولكم أنه افترى ، لأنه إذا أمكنه أن يفتريه أمكنكم أنتم معارضته فإنكم سواء في هذه اللغة العربية .

وحذف مفعول { استطعتم } لظهوره من فعل ( ادْعوا ) ، أي من استطعتم دعوته لنصرتكم وإعانتكم على تأليف سورة مثل سور القرآن .