نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{أَمۡ يَقُولُونَ ٱفۡتَرَىٰهُۖ قُلۡ فَأۡتُواْ بِسُورَةٖ مِّثۡلِهِۦ وَٱدۡعُواْ مَنِ ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (38)

ولما كان هذا موضع أن يذعنوا لأن هذا القرآن ليس إلا من عند الله وبأمره قطعاً ، كان كأنه قيل : ارجعوا عن غيهم فآمنوا واستقاموا { أم } استمروا على ضلالهم { يقولون } على سبيل التجديد والاستمرار عناداً { افتراه } أي تعمد نسبته كذباً إلى الله{[37981]} ، فكأنه قيل ، تمادوا على عتوهم فقالوا ذلك فكانوا كالباحث عن حتفه بظلفه ، لأنهم أصلوا أصلاً فاسداً لزم عليه قطعاً إمكان أن يأتوا بمثله لأنهم عرب مثله ، بل منهم من قرأ وكتب{[37982]} وخالط العلماء واشتد اعتناءه بأنواع البلاغة من النظم والنثر والخطب وتمرنه فيها بخلافه صلى الله عليه وسلم في جميع ذلك ، فلهذا أمره في جوابهم بقوله { قل } أي لهم يا أبلغ خلقنا وأعرفهم بمواقع{[37983]} الكلام لجميع أنواعه ، أتى بالفاء السببية في قوله : { فأتوا } أي أنتم تصديقاً لقولكم هذا الذي تبين وأنكم فيه{[37984]} معاندون ؛ ولما كانوا قد جزموا في هذه السورة بأنه افتراه ، وكان مفصلاً إلى سور كل واحدة{[37985]} منها لها مقصد معين يستدل فيها عليه ، وتكون خاتمتها مرتبطة بفاتحتها متحدة بها ، اكتفى في تحديهم بالإتيان بقطعة واحدة غير مفصلة إلى مثل سورة لكن تكون مثل جميع القرآن في الطول والبيان وانتظام العبارة والتئام المعاني فلذلك قال{[37986]} : { بسورة } قال الرماني : والسورة منزلة محيطة بآيات من أجل الفاتحة والخاتمة كإحاطة سور البناء ، وهذا نظراً إلى أن المتحدي به سورة اصطلاحية{[37987]} والصواب أنها لغوية ، وهي كما قال الحرالي تمام جملة من المسموع تحيط بمعنى تام بمنزلة إحاطة السور بالمدنية ؛ووصفها بقوله : { مثله } أي قي البلاغة وحسن النظم وصحة المعاني ومصادقة الكتب وتفصيل العلوم لأنكم مثلي في العربية وتزيدون بالكتابة ومخالطة العلماء - من غير إتيان ب " من " لما {[37988]}تقدم من أن المراد كونها{[37989]} مثل القرآن كله ، ولذلك وسع لهم في الاستعانة بجميع من قدروا عليه ووصلت طاقتهم إليه ولم يقصرهم على من بحضرتهم فقال : { وادعوا } أي لمعاونتكم { من استطعتم } أي قدرتم على طاعته ولو ببذل الجهد من الجن والإنس وغيرهم للمعاونة{[37990]} ، وحقق أن هذا القرآن من عنده سبحانه باستثنائه في قوله : { من دون الله } أي الذي له الكمال كله ، ونبه على أنهم متعمدون لما نسبوه إليه - وحاشاه من تعمد الكذب - وأنهم معاندون بقوله : { إن كنتم } أي جبلة وطبعاً { صادقين* } أي في {[37991]}أنه أتى{[37992]} به من عنده ، لأن العاقل لا يجزم بشيء إلا إذا كان عنده منه مخرج ، وذلك لا يكون إلا عن دليل ظاهر وسلطان قاهر باهر ، وقد مضى في البقرة ويأتي في هود إن شاء الله تعالى ما يوضح هذا المعنى ؛ والاستطاعة : حالة تتطاوع بها الجوارح والقوى للفعل لأنه مأخوذ من الطوع .


[37981]:من ظ، وفي الأصل: لجموع.
[37982]:من ظ، وفي الأصل: يكتب.
[37983]:من ظ، وفي الأصل: بموقع.
[37984]:سقط من ظ.
[37985]:في ظ: سورة.
[37986]:زيد بعده في الأصل: فاتوا أنتم تصديقا لقولكم، ولم تكن الزيادة في ظ فحذفناها.
[37987]:في ظ: إصلاحية.
[37988]:تكرر ما بين الرقمين من ظ.
[37989]:تكرر ما بين الرقمين من ظ.
[37990]:سقط من ظ.
[37991]:في: أني أتيت.
[37992]:في: أني أتيت.