فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{أَمۡ يَقُولُونَ ٱفۡتَرَىٰهُۖ قُلۡ فَأۡتُواْ بِسُورَةٖ مِّثۡلِهِۦ وَٱدۡعُواْ مَنِ ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (38)

{ أم يقولون افتراه } الاستفهام للإنكار عليهم مع تقرير ثبوت الحجة وأم هي المنقطعة التي بمعنى بل والهمزة أي بل أيقولون افتراه واختلقه . وقال أبو عبيدة : أم بمعنى الواو أي ويقولون ، وقيل الميم زائدة أي يقولون والاستفهام للتقريع والتوبيخ والإنكار والاستبعاد أي هذا القول منهم في غاية البعد والشناعة وقيل التقدير أيقرون به أم يقولون .

ثم أمره الله سبحانه أن يتحداهم حتى يظهر عجزهم ويتبين ضعفهم فقال { قل } تبكيتا لهم وإظهارا لبطلان مقالتهم الفاسدة { فأتوا } أي إن كان الأمر كما تزعمون من أن محمدا افتراه فأتوا أنتم على جهة الافتراء { بسورة مثله } في البلاغة وجودة الصناعة فأنتم مثله في معرفة لغة العرب وفصاحة الألسن ، وحسن النظم وبلاغة الكلام ، والمراد مثل هذه السورة لأنها أقرب ما يمكن أن يشار إليه ، هكذا قال الرازي وهي مكية والأولى التناول لجميع السور فإنهم لا يقدرون أن يأتوا بأقصر سورة .

{ وادعوا } بمظاهريكم ومعاونيكم { من استطعتم } دعاءه والاستعانة به من قبائل العرب ومن آلهتكم التي تجعلونها شركاء لله { من دون الله } أي من سوى الله من خلقه { إن كنتم صادقين } في دعواكم أن هذا القرآن مفترى ، فإن ذلك مستلزم لإمكان الإتيان بمثله وهو أيضا مستلزم لقدرتكم عليه .

وسبحان الله العظيم ما أقوى هذه الحجة وأوضحها وأظهرها للعقول ، فإنهم لما نسبوا الافتراء إلى واحد منهم في البشرية والعربية قال : لهم هذا الذي نسبتموه إلي وأنا واحد منكم ليس عليكم إلا أن تأتوا وأنتم الجمع الجم بسورة مماثلة لسورة من سورهن واستعينوا بمن شئتم من أهل هذه اللسان العربية على كثرتهم وتباين مساكنهم أو من غيرهم من بني آدم ومن الجن أو من الأصنام فإن فعلتم هذا بعد اللتيا والتي فأنتم صادقون فيما نسبتموه إلي وألصقتموه بي .

فلم يأتوا عند سماع هذا الكلام المنصف والتنزل البالغ بكلمة ولا نطقوا ببنت شفة بل كاعوا عن الجواب وتشبثوا بأذيال العناد البارد والمكابرة المجردة عن الحجة ، وذلك مما لا يعجز عنه مبطل .

ومراتب تحدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقرآن أربعة : أولها : أنه تحداهم بكل القرآن كما قال تعالى { قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن } .

ثانيها : إنه تحداهم بعشر سور : قال تعالى { قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات } .

ثالثها : إنه تحداهم بسورة واحدة كما قال تعالى { فأتوا بسورة مثله } .

رابعها : إنه تحداهم بحديث مثله كما قال تعالى { فليأتوا بحديث مثله } فهذا مجموع الدلائل التي ذكرها الله في إثبات أن القرآن معجز .