إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{أَمۡ يَقُولُونَ ٱفۡتَرَىٰهُۖ قُلۡ فَأۡتُواْ بِسُورَةٖ مِّثۡلِهِۦ وَٱدۡعُواْ مَنِ ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (38)

{ أَمْ يَقُولُونَ افتراه } أي بل أيقولون افتراه محمد عليه الصلاة والسلام والهمزةُ لإنكار الواقِع واستبعادِه { قُلْ } تبكيتاً لهم وإظهاراً لبطلان مقالتِهم الفاسدةِ إن كان الأمر كما تقولون { فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مثْلِهِ } أي في البلاغة وحسنِ الصياغةِ وقوةِ المعنى على وجه الافتراءِ فإنكم مثلي في العربية والفصاحةِ وأشدُّ تمرناً مني في النظم والعبارة ، وقرىء بسورةِ مثلِه على الإضافة أي بسورة كتابٍ مثلِه { وادعوا } للمظاهرة والمعاونة { مَنِ استطعتم } دعاءَه والاستعانةَ به من آلهتكم التي تزعُمون بأنها مُمِدةٌ لكم في المُهمات والمُلماتِ ، ومدارِهِكم{[391]} الذين تلجأون إلى آرائهم في كل ما تأتون وما تذرون { مِن دُونِ الله } متعلقٌ بادعوا ، ودون جارٍ مجرى أداةِ الاستثناءِ وقد مر تفصيله في قوله تعالى : { وادعوا شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ الله } أي ادعُوا سواه تعالى من استطعتم من خلقه فإنه لا يقدِر عليه أحدٌ وأخرجه سبحانه من حكم الدعاءِ للتنصيص على براءتهم منه تعالى وكونِهم في عُدوة المضادة والمُشاقّة لا لبيان استبدادِه تعالى بالقدرة على ما كُلّفوه فإن ذلك مما يوهم أنهم لو دعَوْه تعالى لأجابهم إليه { إِن كُنتُمْ صادقين } أي في أني افتريته فإن ذلك مستلزمٌ لإمكان الاتيان بمثله وهو أيضاً مستلزِمٌ لقدرتكم عليه ، والجوابُ محذوفٌ لدلالة المذكور عليه .


[391]:المداره: جمع مدره، وهو السيد الشريف وزعيم القوم وخطيبهم والمحامي عنهم.