تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِۚ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ يُدۡخِلۡهُ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ وَذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (13)

{ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ }

أي : تلك التفاصيل التي ذكرها في المواريث حدود الله التي يجب الوقوف معها وعدم مجاوزتها ، ولا القصور عنها ، وفي ذلك دليل على أن الوصية للوارث منسوخة بتقديره تعالى أنصباء الوارثين .

ثم قوله تعالى : { تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ }{[195]}  فالوصية للوارث بزيادة على حقه يدخل في هذا التعدي ، مع قوله صلى الله عليه وسلم : " لا وصية لوارث " ثم ذكر طاعة الله ورسوله ومعصيتهما عموما ليدخل في العموم لزوم حدوده في الفرائض أو ترك ذلك فقال : { وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ } بامتثال أمرهما الذي أعظمه طاعتهما في التوحيد ، ثم الأوامر على اختلاف درجاتها واجتناب نهيهما الذي أعظمُه الشرك بالله ، ثم المعاصي على اختلاف طبقاتها { يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا } فمن أدى الأوامر واجتنب النواهي فلا بد له من دخول الجنة والنجاة من النار . { وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } الذي حصل به النجاة من سخطه وعذابه ، والفوز بثوابه ورضوانه بالنعيم المقيم الذي لا يصفه الواصفون .


[195]:هنا سبق قلم من الشيخ -رحمه الله- فالآية "تلك حدودالله " وأثبت الشيخ- زيادة "فَلاَ تَعْتَدُوهَا" وليس هنا محلها، وعلى مقتضى ما أثبت فسر، فأبقيت الكلام كما هو، وعدلت الآية.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِۚ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ يُدۡخِلۡهُ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ وَذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (13)

ثم أكد - سبحانه - وجوب الانقياد لأحكامه ، وبشر المطيعين بحسن الثواب . وأنذر العصاة بسوء العقاب فقال : { تِلْكَ حُدُودُ الله وَمَن يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار خَالِدِينَ فِيهَا وذلك الفوز العظيم } .

واسم الإِشارة { تِلْكَ } يعود إلى الأحكام المذكورة فى شأن المواريث وغيرها . والمعنى : تلك الأحكام التى ذكرها - سبحانه - عن المواريث وغيرها { حُدُودُ الله } أى شرائعه وتكاليفه التى شرعها لعباده .

والحدود جمع حد . وحد الشئ طرفه الذى يمتاز به عن غيره . ومنه حدود البيت أى أطرافه التى تميزه عن بقية البيوت .

والمراد بحدود الله هنا الشرائع التى شرعها - سبحانه - لعباده بحيث لا يجوز لهم تجاوزها ومخالفتها .

وقد أطلق - سبحانه - على هذه الشرائع كلمة الحدود على سبيل المجاز لشبهها بها من حيث إن المكلف لا يجوز له أن يتجاوزها إلى غيرها .

ثم قال - تعالى - { وَمَن يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ } أى فيما أمر به من الأحكام ، وفيما شرعه من شرائع تتعلق بالمواريث وغيرها .

{ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار } أى تجرى من تحت أشجارها ومساكنها الأنهار { خَالِدِينَ فِيهَا } أى باقين فيها لا يموتون ولا يفنون ولا يخرجون منها وقوله { وذلك الفوز العظيم } أى وذلك المذكور من دخول الجنة الخالدة الباقية بمن فيها هو الفوز العظيم ، والفلاح الذى ليس بعده فلاح .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِۚ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ يُدۡخِلۡهُ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ وَذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (13)

أي : هذه الفرائض والمقادير التي جعلها الله للورثة بحسب قُربهم من الميت واحتياجهم إليه وفقدهم له عند عدمه ، هي حدود الله فلا تعتدوها ولا تجاوزوها ؛ ولهذا قال : { وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ } أي : فيها ، فلم يزد بعض الورثة ولم{[6770]} ينقص بعضًا بحيلة ووسيلة ، بل تركهم على حكم الله وفريضته وقسمته { يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ } أي ، لكونه غيَّر ما حكم الله به وضاد الله في حكمه . وهذا إنما يصدر عن{[6771]} عدم الرضا بما قسم الله وحكم به ، ولهذا يجازيه بالإهانة في العذاب الأليم المقيم .

قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا مَعْمَر ، عن أيوب ، عن أشعث بن عبد الله ، عن شَهْر ابن حَوْشَب ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الرَّجُلَ لَيَعْمَل بعمل أهل الخير سبعين سَنةً ، فإذا أوْصَى حَافَ في وصيته ، فيختم{[6772]} بشر عمله ، فيدخل النار ؛ وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الشر سبعين سنة ، فيعدل في وصيته ، فيختم له بخير عمله فيدخل{[6773]} الجنة " . قال : ثم يقول أبو هريرة : اقرءوا إن شئتم { تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ } إلى قوله : { عَذَابٌ مُهِينٌ }{[6774]} .

[ و ]{[6775]} قال أبو داود في باب الإضرار في الوصية من{[6776]} سننه : حدثنا عَبْدَة{[6777]} بن عبد الله أخبرنا عبد الصمد ، حدثنا [ نصر ]{[6778]} بن علي الحُدَّاني ، حدثنا الأشعث بن عبد الله بن جابر الحُدَّاني ، حدثني شَهْرُ بن حَوشَب : أن أبا هريرة حدثه : أن رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الرجل ليعمل أو المرأة بطاعة الله ستين سنة ، ثم يحضرهما الموت فَيُضَاران في الوصية ، فتجب لهما النار " وقال : قرأ عليّ أبو هريرة من هاهنا : { مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ } حتى بلغ : { [ وَ ]{[6779]} ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } .

وهكذا{[6780]} رواه الترمذي وابن ماجه من حديث ابن عبد الله بن جابر الحُدَّاني به ، وقال الترمذي : حسن غريب ، وسياق الإمام أحمد أتم وأكمل{[6781]} .


[6770]:في جـ، ر، أ: "ولا"
[6771]:في جـ، ر: "من".
[6772]:في جـ، ر، أ: "فيختم له".
[6773]:في ر: "فيدخله"
[6774]:المسند (2/278).
[6775]:زيادة من جـ، ر، أ.
[6776]:في جـ، أ: "في".
[6777]:في ر: "عبيدة".
[6778]:زيادة من جـ، ر، أ.
[6779]:زيادة من جـ.
[6780]:في أ: "وكذا".
[6781]:سنن أبي داود برقم (2867) وسنن الترمذي برقم (2117) وسنن ابن ماجة برقم (2704).
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِۚ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ يُدۡخِلۡهُ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ وَذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (13)

{ تلك } إشارة إلى الأحكام التي قدمت في أمر اليتامى والوصايا والمواريث . { حدود الله } شرائعه التي هي كالحدود المحدودة التي لا يجوز مجاوزتها . { ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم } .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِۚ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ يُدۡخِلۡهُ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ وَذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (13)

وقوله : { تلك حدود الله } الآية { تلك } إشارة إلى القسمة المتقدمة في المواريث ، والحد : الحجز المانع لأمر ما أن يدخل على غيره أو يدخل عليه غيره ، ومن هذا قولهم للبواب حداد لأنه يمنع ، ومنه إحداد المرأة وهو امتناعها عن الزينة ، هذا هو الحد في هذه الآية ، وقوله : { من تحتها } يريد من تحت بنائها ، وأشجارها الذي من أجله سميت جنة ، لأن أنهار الجنة إنما هي على وجه أرضها في غير أخاديد ، وحكى الطبري : أن الحدود عند السدي هنا شروط الله ، وعند ابن عباس : طاعة الله ، وعند بعضهم ، سنة الله ، وعند بعضهم ، فرائض الله ، وهذا كله معنى واحد وعبارة مختلفة ، و { خالدين } قال الزجاج : هي حالة على التقدير ، أي مقدرين { خالدين فيها } وجمع { خالدين } على معنى { من } بعد أن تقدم الإفراد مراعاة للفظ { من } وعكس هذا لا يجوز .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِۚ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ يُدۡخِلۡهُ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ وَذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (13)

الإشارة إلى المعاني والجمل المتقدّمة .

والحدود جمع حَدّ ، وهو ظرف المكان الذي يميز عن مكان آخر بحيث يمنع تجاوزه ، واستُعمل الحدود هنا مجازاً في العمل الذي لا تحلّ مخالفته على طريقة التمثيل .

ومعنى { ومن يطع الله ورسوله } أنّه يتابع حدوده كما دلّ عليه قوله في مقابله { ويتعد حدوده } .