وذلك أنهم قد تبين لهم الهدى ، فزهدوا فيه ورفضوه ، و { قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ } من المبارزين العداوة لله ولرسوله { سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ } أي : الذي يوافق أهواءهم ، فلذلك عاقبهم الله بالضلال ، والإقامة على ما يوصلهم إلى الشقاء الأبدي ، والعذاب السرمدي .
{ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ } فلذلك فضحهم ، وبينها لعباده المؤمنين ، لئلا يغتروا بها .
ثم بين - سبحانه - أسباب هذا الارتداء فقال : { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لِلَّذِينَ كَرِهُواْ مَا نَزَّلَ الله سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الأمر } .
أى : ذلك الارتداء عن الحق والتردى فى الباطل . بسبب أن هؤلاء المنافقين قالوا للذين كرهوا ما نزل الله من الهدى على نبيه - صلى الله عليه وسلم - وهم اليهود ومن على شاكلتهم ، قالوا لهم : { سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الأمر } أى : سنطيعكم فى بعض أموركم وأحوالكم التى على رأسها : العداوة لهذا الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولما جاء به من عند ربه .
كما قال - تعالى - حكاية عنهم فى آية أخرى : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين نَافَقُواْ يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ الذين كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الكتاب لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلاَ نُطِيعُ فيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ والله يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } وقوله - سبحانه - : { والله يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ } تهديد لهم على هذا الدس والكيد والتآمر على الإِِسلام وأتباعه . أى : والله - تعالى - يعلم ما يسرونه من أقوال سيئة ، ومن أفعال قبيحة ، وسيعاقبهم على ذلك عقابا شديدا .
وكلمة { إِسْرَارَهُمْ } - بكسر الهمزة - مصدر أسررت إسرارا ، بمعنى كتمت الشئ وأخفيته وقرأ بعض القراء السبعة { أسرارهم } - بفتح الهمزة - جمع سر . يعلم الأشياء التى يسرونها ويخفونها .
{ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نزلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الأمْرِ }
أي : مالئوهم وناصحوهم في الباطن على الباطل ، وهذا شأن المنافقين يظهرون خلاف ما يبطنون ؛ ولهذا قال الله عز وجل : { وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ } أي : [ يعلم ]{[26713]} ما يسرون وما يخفون ، الله مطلع عليه وعالم به ، كقوله : { وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ } [ النساء : 81 ] .
{ ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله } أي قال اليهود للذين كفروا بالنبي عليه الصلاة والسلام بعدما تبين لهم نعته للمنافقين ، أو المنافقون لهم أو أحد الفريقين للمشركين . { سنطيعكم في بعض الأمر } في بعض أموركم أو في بعض ما تأمرون به كالقعود عن الجهاد والموافقة في الخروج معهم إن أخرجوا ، والتظافر على الرسول صلى الله عليه وسلم . { والله يعلم أسرارهم } ومنها قولهم هذا الذي أفشاه الله عليهم ، وقرأ حمزة والكسائي وحفص " إسرارهم " على المصدر .
وقوله تعالى : { ذلك بأنهم قالوا } الآية ، قيل إنها نزلت في بني إسرائيل الذين تقدم ذكرهم في تفسير قوله : { إن الذين ارتدوا } وروي أن قوماً من قريظة والنضير كانوا يعدون المنافقين في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلاف عليه بنصر وموازرة ، وذلك قولهم { سنطيعكم في بعض الأمر } .
وقرأ جمهور القراء «أَسرارهم » بفتح الهمزة ، وذلك على جمع سر ، لأن أسرارهم كانت كثيرة . وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم «إسرارهم » بكسر الهمزة ، وهي قراءة ابن وثاب وطلحة والأعمش ، وهو مصدر اسم الجنس .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.