تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يُعۡرَفُ ٱلۡمُجۡرِمُونَ بِسِيمَٰهُمۡ فَيُؤۡخَذُ بِٱلنَّوَٰصِي وَٱلۡأَقۡدَامِ} (41)

{ 41 } { يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ }

وقال هنا : { يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ } أي : فيؤخذ بنواصي المجرمين وأقدامهم ، فيلقون في النار ويسحبون فيها ، وإنما يسألهم تعالى سؤال توبيخ وتقرير بما وقع منهم ، وهو أعلم به منهم ، ولكنه تعالى يريد أن تظهر للخلق حجته البالغة ، وحكمته الجليلة .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يُعۡرَفُ ٱلۡمُجۡرِمُونَ بِسِيمَٰهُمۡ فَيُؤۡخَذُ بِٱلنَّوَٰصِي وَٱلۡأَقۡدَامِ} (41)

ثم بين - سبحانه - ما يحل بالمجرمين فى هذا اليوم من عذاب فقال : { يُعْرَفُ المجرمون بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بالنواصي والأقدام فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ هذه جَهَنَّمُ التي يُكَذِّبُ بِهَا المجرمون يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } .

وقوله : { بِسِيمَاهُمْ } أى : بعلاماتهم التى تدل عليهم ، وهى زرقة العيون . وسواد الوجوه ، كما فى قوله - تعالى - : { وَيَوْمَ القيامة تَرَى الذين كَذَبُواْ عَلَى الله وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ . . . } وكما فى قوله - سبحانه - : { يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصور وَنَحْشُرُ المجرمين يَوْمِئِذٍ زُرْقاً . . . } والنواصى : جمع ناصية ، وهى مقدم الرأس . والأقدام : جمع قدم ، وهو ظاهر الساق ، و " ال " فى هذين اللفظين عوض عن المضاف إليه .

والمراد بالطواف فى قوله : { يَطُوفُونَ بَيْنَهَا . . } كثرة التردد والرجوع إليها بين وقت وآخر .

والحميم : الماء الشديد الغليان والحرارة .

و { آنٍ } : أى : قد بلغ النهاية فى شدة الحرارة ، يقال : أَنَى الحميم ، أى انتهى حره إلى أقصى مداه ، فهو آن وبلغ الشىء أناه - بفتح الهمزة وكسرها - إذا وصل إلى غاية نضجه وإدراكه ، ومنه قوله - تعالى - : { ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ النبي إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إلى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ } أى : نضجه .

أى : فى هذا اليوم ، وهو يوم الحساب والجزاء { يُعْرَفُ المجرمون } بسواد وجوههم ، وزرقة عيونهم ، وبما تعلو أفئدتهم من غبرة ترهقها قترة . فتأخذ الملائكة بالشعر الذى فى مقدمة رءوسهم ، وبالأمكنة الظاهرة من سيقانهم ، وتقذف بهم فى النار ، وتقول لهم على سبيل الإهانة والإذلا : هذه جهنم التى كنتم تكذبون بها فى الدنيا أيها المجرمون ، فترددوا بين مائها الحار ، وبين سعيرها البالغ النهاية فى الشدة .

وفى قوله : { فَيُؤْخَذُ بالنواصي والأقدام } إشارة إلى التمكن منهم تمكنا شديدا ، بحيث لا يستطيعون التفلت أو الهرب .

وقد ختمت كل آية من هذه الآيات السابقة بقوله - تعالى - : { فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } لأن عقاب العصاة المجرمين ، وإثابة الطائعين المتقين ، يدل على كمال عدله - سبحانه - ، وعلى فضله ونعمته على من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى .

قال الإمام ابن كثير : ولما كان معاقبة العصاة المجرمين ، وتنعيم المتقين ، ومن فضله . ورحمته ، وعدله ، ولطفه بخلقه ، وكان إنذاره لهم من عذابه وبأسه ، مما يزجرهم عما هم فيه من الشرك والمعاصى وغير ذلك قال ممتنا بذلك على بريته { فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{يُعۡرَفُ ٱلۡمُجۡرِمُونَ بِسِيمَٰهُمۡ فَيُؤۡخَذُ بِٱلنَّوَٰصِي وَٱلۡأَقۡدَامِ} (41)

أي : بعلامات تظهر عليهم .

وقال الحسن وقتادة : يعرفونهم باسوداد الوجوه وزرقة العيون .

قلت : وهذا كما يعرف المؤمنون بالغرة والتحجيل من آثار الوضوء .

وقوله : { فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالأقْدَامِ } أي : تجمع الزبانية ناصيته مع قدميه ، ويلقونه في النار كذلك .

وقال الأعمش عن ابن عباس : يؤخذ بناصيته وقدمه{[27902]} ، فيكسر كما يكسر الحطب في التنور .

وقال الضحاك : يجمع بين ناصيته وقدميه {[27903]} في سلسلة من وراء ظهره .

وقال السدي : يجمع بين ناصية الكافر وقدميه ، فتربط ناصيته بقدمه ، ويُفتل ظهره .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع ، حدثنا معاوية بن سلام ، عن أخيه زيد بن سلام أنه سمع أبا سلام - يعني جده - أخبرني عبد الرحمن ، حدثني رجل من كندة قال : أتيت عائشة فدخلت عليها ، وبيني وبينها حجاب ، فقلت : حدثك رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يأتي عليه ساعة لا يملك لأحد فيها شفاعة ؟ قالت : نعم ، لقد سألته عن هذا وأنا وهو في شِعَار واحد ، قال : " نعم حين يوضع الصراط ، ولا أملك لأحد فيها شفاعة ، حتى أعلم أين يسلك بي ؟ ويوم تبيض وجوه وتسود وجوه ، حتى أنظر ماذا يفعل بي - أو قال : يوحى - وعند الجسر حين يستحد ويستحر " فقالت : وما يستحد وما يستحر ؟ قال : " يستحد حتى يكون مثل شفرة السيف ، ويستحر حتى يكون مثل الجمرة ، فأما المؤمن فيجيزه لا يضره ، وأما المنافق فيتعلق حتى إذا بلغ أوسطه خر من قدمه فيهوي بيده إلى قدميه ، فتضربه الزبانية بخطاف في ناصيته وقدمه ، فتقذفه في جهنم ، فيهوي {[27904]} فيها مقدار خمسين عاما " . قلت : ما ثقل الرجل ؟ قالت : ثقل عشر خلفات سمان ، فيومئذ يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام .

هذا حديث غريب [ جدا ] {[27905]} ، وفيه ألفاظ منكر رفعها ، وفي الإسناد من لم يُسَمّ ، ومثله لا يحتج به {[27906]} ، والله أعلم .


[27902]:- (4) في أ: "قدميه".
[27903]:- (5) في أ: "قدمه".
[27904]:-(1) في م: "فهوى".
[27905]:- (2) زيادة من م.
[27906]:- (3) رواه عبد الرزاق في المصنف كما في الدر المنثور (7/704) عن رجل من كنده بنحوه.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يُعۡرَفُ ٱلۡمُجۡرِمُونَ بِسِيمَٰهُمۡ فَيُؤۡخَذُ بِٱلنَّوَٰصِي وَٱلۡأَقۡدَامِ} (41)

يعرف المجرمون بسيماهم وهو ما يعلوهم من الكآبة والحزن فيؤخذ بالنواصي والأقدام مجموعا بينهما وقيل يؤخذون بالنواصي تارة ب الأقدام أخرى .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يُعۡرَفُ ٱلۡمُجۡرِمُونَ بِسِيمَٰهُمۡ فَيُؤۡخَذُ بِٱلنَّوَٰصِي وَٱلۡأَقۡدَامِ} (41)

وقال الحسن ومجاهد : لا يسأل الملائكة عنهم ، لأنهم يعرفونهم بالسيما ، والسيما التي يعرف بها { المجرمون } هي سواد الوجوه وزرق العيون في الكفرة ، قاله الحسن . ويحتمل أن يكون غير هذا من التشويهات .

واختلف المتأولون في قوله تعالى : { فيؤخذ بالنواصي والأقدام } . فقال ابن عباس : يؤخذ كل كافر بناصيته وقدميه فيطوى يجمع كالحطب ويلقى كذلك في النار . وقال النقاش : روي أن هذا الطي على ناحية الصلب قعساً{[10837]} وقاله الضحاك . وقال آخرون : بل على ناحية الوجه ، قالوا فهذا معنى : { فيؤخذ بالنواصي والأقدام } . وقال قوم في كتاب الثعلبي : إنما يسحب الكفرة سحباً ، فبعضهم يجر بقدميه ، وبعضهم بناصيته ، فأخبر في هذه الآية أن الأخذ يكون { بالنواصي } ويكون ب { الأقدام } .


[10837]:القعس: نقيض الحدب، وهو خروج الصدر ودخول الظهر، فالمراد أنهم يكونون على هذه الهيئة إذ تطوى أجسامهم بحيث تبرز الصدور وتلتقي النواصي بالأقدام.