{ وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى } إن كانت " ما " موصولة ، كان إقسامًا بنفسه الكريمة الموصوفة ، بأنه{[1441]} خالق الذكور والإناث ، وإن كانت مصدرية ، كان قسمًا بخلقه للذكر والأنثى ، وكمال حكمته في ذلك أن خلق من كل صنف من الحيوانات التي يريد بقاءها ذكرًا وأنثى ، ليبقى النوع ولا يضمحل ، وقاد كلا منهما إلى الآخر بسلسلة الشهوة ، وجعل كلًا منهما مناسبًا للآخر ، فتبارك الله أحسن الخالقين .
وأقسم - ثالثا - بقوله : { وَمَا خَلَقَ الذكر والأنثى } و " ما " هنا يصح أن تكون موصولة ، بمعنى الذى ، فيكون - سبحانه - قد أقسم بذاته ، وجاء التعبير بما ، للدلالة على الوصفية ، ولقصد التفخيم .
فكأنه - تعالى - يقول : وحق الخالق العظيم ، الذى لا يعجزه شئ ، والذى خلق نوع الذكور ، ونوع الإِناث من ماء واحد .
ويصح أن تكون " ما " هنا حرفا مصدريا ، فيكون المعنى : وحق خَلْقِ الذكر والأنثى ، وعليه يكون - سبحانه - قد أقسم بفعل من أفعاله التى تدل على كمال قدرته ، وبديع صنعته ، حيث أوجد الذكور والإِناث من ماء واحد ، كما قال - سبحانه - : { وَأَنَّهُ خَلَقَ الزوجين الذكر والأنثى . مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تمنى } وحيث وهب - سبحانه - الذكور لمن يشاء ، ووهب الإِناث لمن يشاء ، وجعل العقم لمن يشاء .
قال الإمام أحمد : حدثنا يزيد بن هارون ، حدثنا شعبة ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، عن علقمة : أنه قدم الشام فدخل مسجد دمشق ، فصلى فيه ركعتين وقال : اللهم ، ارزقني جليسًا صالحًا . قال : فجلس إلى أبي الدرداء ، فقال له أبو الدرداء : ممن أنت ؟ قال : من أهل الكوفة . قال : كيف سمعت ابن أم عبد يقرأ : { وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى } ؟ قال علقمة : " والذكر والأنثى " . فقال أبو الدرداء : لقد سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فما زال هؤلاء حتى شككوني . ثم قال : ثم ألم يكن فيكم صاحب الوساد وصاحب السر الذي لا يعلمه أحد غيره ، والذي أجير من الشيطان على لسان النبي صلى الله عليه وسلم ؟{[30152]} .
وقد رواه البخاري هاهنا ومسلم ، من طريق الأعمش ، عن إبراهيم قال : قدم أصحاب عبد الله على أبي الدرداء ، فطلبهم فوجدهم ، فقال : أيكم يقرأ على قراءة عبد الله ؟ قالوا : كلنا ، قال : أيكم أحفظ ؟ فأشاروا إلى علقمة ، فقال : كيف سمعته يقرأ : { وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى } ؟ قال : " والذكر والأنثى " . قال : أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ هكذا ، وهؤلاء يريدوني أن أقرأ : { وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأنْثَى } والله لا أتابعهم{[30153]} .
هذا لفظ البخاري : هكذا قرأ ذلك ابن مسعود ، وأبو الدرداء - ورفعه أبو الدرداء - وأما الجمهور فقرأوا ذلك كما هو مُثبَت في المصحف الإمام العثماني في سائر الآفاق : { وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأنْثَى }
فأقسم تعالى ب { وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى } أي : إذا غَشيَ الخليقةَ بظلامه ،
{ وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى } أي : بضيائه وإشراقه ، { وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأنْثَى } كقوله : { وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا } [ النبأ : 8 ] ، وكقوله : { وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ } [ الذاريات : 49 ] .
وقوله تعالى : { وما خلق الذكر والأنثى } يحتمل أن تكون بمعنى الذي كما قالت العرب في سبحان ما سبح الرعد بحمده ، وقال أبو عمرو وأهل مكة يقولون للرعد سبحان ما سبحت له ، ويحتمل أن تكون { ما } مصدرية ، وهو مذهب الزجاج . وقرأ جمهور الصحابة «وما خلق الذكر » ، وقرأ علي بن أبي طالب وابن عباس وعبد الله بن مسعود وأبو الدرداء وسمعها من النبي صلى الله عليه وسلم وعلقمة وأصحاب عبد الله : «والذكر والأنثى » وسقط عندهم { وما خلق }{[11856]} وذكر ثعلب أن من السلف من قرأ «وما خلق الذكرِ والأنثى » بخفض «الذكرِ » على البدل من { ما } على أن التقدير وما خلق الله وقراءة علي ومن ذكر تشهد لهذه ، وقال الحسن : المراد هنا ب { الذكر والأنثى } آدم وحواء ، وقال غيره عام
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.