تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدۡ جَآءَتۡكُم مَّوۡعِظَةٞ مِّن رَّبِّكُمۡ وَشِفَآءٞ لِّمَا فِي ٱلصُّدُورِ وَهُدٗى وَرَحۡمَةٞ لِّلۡمُؤۡمِنِينَ} (57)

{ 57 - 58 ْ } { يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ْ }

يقول تعالى - مرغبًا للخلق في الإقبال على هذا الكتاب الكريم ، بذكر أوصافه الحسنة الضرورية للعباد فقال : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ ْ } أي : تعظكم ، وتنذركم عن الأعمال الموجبة لسخط الله ، المقتضية لعقابه وتحذركم عنها ببيان آثارها ومفاسدها .

{ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ ْ } وهو هذا القرآن ، شفاء لما في الصدور من أمراض الشهوات الصادة عن الانقياد للشرع وأمراض الشبهات ، القادحة في العلم اليقيني ، فإن ما فيه من المواعظ والترغيب والترهيب ، والوعد والوعيد ، مما يوجب للعبد الرغبة والرهبة .

وإذا وجدت فيه الرغبة في الخير ، والرهبة من الشر ، ونمتا على تكرر ما يرد إليها من معاني القرآن ، أوجب ذلك تقديم مراد الله على مراد النفس ، وصار ما يرضي الله أحب إلى العبد من شهوة نفسه .

وكذلك ما فيه من البراهين والأدلة التي صرفها الله غاية التصريف ، وبينها أحسن بيان ، مما يزيل الشبه القادحة في الحق ، ويصل به القلب إلى أعلى درجات اليقين .

وإذا صح القلب من مرضه ، ورفل بأثواب العافية ، تبعته الجوارح كلها ، فإنها تصلح بصلاحه ، وتفسد بفساده . { وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ْ } فالهدى هو العلم بالحق والعمل به .

والرحمة هي ما يحصل من الخير والإحسان ، والثواب العاجل والآجل ، لمن اهتدى به ، فالهدى أجل الوسائل ، والرحمة أكمل المقاصد والرغائب ، ولكن لا يهتدي به ، ولا يكون رحمة إلا في حق المؤمنين .

57

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدۡ جَآءَتۡكُم مَّوۡعِظَةٞ مِّن رَّبِّكُمۡ وَشِفَآءٞ لِّمَا فِي ٱلصُّدُورِ وَهُدٗى وَرَحۡمَةٞ لِّلۡمُؤۡمِنِينَ} (57)

ثم وجه - سبحانه - نداء إلى الناس ، أمرهم فيه بالانتفاع بما اشتمل عليه القرآن الكريم ، من خيرات وبركات فقال - تعالى - : { ياأيها الناس قَدْ جَآءَتْكُمْ مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَآءٌ لِّمَا فِي الصدور وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ } .

والموعظة معناها : التذكير بالتزام الحق والخير ، واجتناب الباطل والشر ، بأسلوب يلين القلوب ، ويرقق النفوس .

والشفاء : هو الدواء الشافي من كل ما يؤذى ، ويجمع على أشفيه .

والهدى : هو الإِرشاد والدلالة بلطف إلى ما يوصل إلى المقصد والبغية ، والرحمة معناها الإِحسان ، أن إرادة الإِحسان .

والمعنى : يا أيها الناس قد جاءكم من الله - تعالى - كتاب جامع لكل ما تحتاجون إليه من موعظة حسنة ترق لها القلوب ، وتخشع لها النفوس . وتصلح بها الأخلاق ومن شفاء لأمراض صدوركم . ومن هداية لكل إلى طريق الحق والخير ، ومن رحمة للمؤمنين ترفعهم إلى أعلى الدرجات وتكفر ما حدث منهم من سيئات .

وجاء هذا الإِرشاد والتوجيه عن طريق النداء ، استمالة لهم إلى الحق بألطف أسلوب ، وأكمل بيان ، حتى يثوبوا إلى رشدهم ، ويتنبهوا من غفلتهم .

ووصفت الموعظة بأنها من ربكم ، لتذكيرهم بما يزيدهم تعظيما وقبولا ، لأنها لم تصدر عن مخلوق تحتمل توجيهاته الخطأ والصواب ، وإنما هي صادرة من خالق النفوس ومربيها ، العليم بما يصلحها ويشفيها .

وقيد الرحمة بأنها للمؤمنين ، لأنهم هم المستحقون لها ، بسبب إيمانهم وتقواهم .

قال الآلوسى ما ملخصه : " واستدل بالآية على أن القرآن يشفى من الأمراض البدنية كما يشفى من الأمراض القلبية ، فقد أخرج ابن مردوية عن أبى سعيد الخدرى قال : " جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال إنى اشتكى صدرى ، فقال - عليه الصلاة والسلام - : " اقرأ القرآن ، يقول الله - تعالى - شفاء لما في الصدور " " .

وأخرج البيهقي في الشعب عن وائلة بن الأسقع أن رجلا شكا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وجع حلقه ، فقال له : " عليك بقراءة القرآن " .

وأنت تعلم أن الاستدلال بهذه الآية على ذلك مما لا يكاد يسلم ، والخبر الثانى لا يدل عليه ، إذ ليس فيه أكثر من أمره - صلى الله عليه وسلم - الشاكى بقراءة القرآن إرشادا له إلى ما ينفعه ويزول به وجعه .

ونحن لا ننكر أن لقراءة بركة ، قد يذهب الله بسببها الأمراض والأوجاع ، وإنما ننكر الاستدلال بالآية على ذلك .

والخبر الأول وإن كان ظاهرا في المقصود ، لكن ينبغى تأويله ، كأن يقال : لعله - صلى الله عليه وسلم - اطعل على أن في صدر الرجل مرضا معنويا قلبيا ، قد صار سببا للمرض الحسي والبدني ، فأمره - صلى الله عليه وسلم - بقراءة القرآن ليزول عنه الأول فيزول الثاني .

والحسن البصري ينكر كون القرآن شفاء للأمراض ، فقد أخرج أبو الشيخ عنه أنه قال : " إن الله - تعالى - جعل القرآن شفاء لما في الصدور ، ولم يجعله شفاء لأمراضكم ، والحق ما ذكرناه " .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدۡ جَآءَتۡكُم مَّوۡعِظَةٞ مِّن رَّبِّكُمۡ وَشِفَآءٞ لِّمَا فِي ٱلصُّدُورِ وَهُدٗى وَرَحۡمَةٞ لِّلۡمُؤۡمِنِينَ} (57)

يقول تعالى ممتنا على خلقه بما أنزل إليهم من القرآن العظيم على رسوله الكريم : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ } أي : زاجر عن الفواحش ، { وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ } أي : من الشُبَه والشكوك ، وهو إزالة ما فيها من رجس ودَنَس ، { وَهُدًى وَرَحْمَةً } أي : محصلٌ لها الهداية والرحمة من الله تعالى . وإنما ذلك للمؤمنين به والمصدقين الموقنين بما فيه ، كما قال تعالى : { وَنُنزلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلا خَسَارًا } [ الإسراء : 82 ] ، وقال تعالى : { قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ } [ فصلت : 44 ] .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدۡ جَآءَتۡكُم مَّوۡعِظَةٞ مِّن رَّبِّكُمۡ وَشِفَآءٞ لِّمَا فِي ٱلصُّدُورِ وَهُدٗى وَرَحۡمَةٞ لِّلۡمُؤۡمِنِينَ} (57)

{ يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين } أي قد جاءكم كتاب جامع للحكمة العملية الكاشفة عن محاسن الأعمال ومقابحها المرغبة في المحاسن والزاجرة عن المقابح ، والحكمة النظرية التي هي شفاء لما في الصدور من الشكوك وسوء الاعتقاد وهدى إلى الحق واليقين ورحمة للمؤمنين ، حيث أنزلت عليهم فنجوا بها من ظلمات الضلالة إلى نور الإيمان ، وتبدلت مقاعدهم من طبقات النيران بمصاعد من درجات الجنان ، والتنكير فيها للتعظيم .