{ 56 } { إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ }
يخبر تعالى أن من جادل في آياته ليبطلها بالباطل ، بغير بينة من أمره ولا حجة ، إن هذا صادر من كبر في صدورهم على الحق وعلى من جاء به ، يريدون الاستعلاء عليه بما معهم من الباطل ، فهذا قصدهم ومرادهم .
ولكن هذا لا يتم لهم وليسوا ببالغيه ، فهذا نص صريح ، وبشارة ، بأن كل من جادل الحق أنه مغلوب ، وكل من تكبر عليه فهو في نهايته ذليل .
{ فَاسْتَعِذْ } أي : اعتصم والجأ { بِاللَّهِ } ولم يذكر ما يستعيذ ، إرادة للعموم . أي : استعذ بالله من الكبر الذي يوجب التكبر على الحق ، واستعذ بالله من شياطين الإنس والجن ، واستعذ بالله من جميع الشرور .
{ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ } لجميع الأصوات على اختلافها ، { الْبَصِيرُ } بجميع المرئيات ، بأي محل وموضع وزمان كانت .
ثم تعود السورة الكريمة مرة أخرى إلى توبيخ الذين يجادلون فى آيات الله بغير حجة أو برهان ، وتبين الأسباب التى حملتهم على ذلك ، وترشد إلى العلاج من شرورهم ، وتنفى المساواة بين الكافر والمؤمن ، وتدعو المؤمنين إلى الإكثار من التضرع إلى الله - تعالى - فتقول :
{ إِنَّ الذين يُجَادِلُونَ في آيَاتِ . . . } .
المراد بالمجادلة فى قوله - تعالى - : { إِنَّ الذين يُجَادِلُونَ في آيَاتِ الله بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ . . . } المجادلة بالباطل بدون حجة أو دليل ، أما المجادلة لإِحقاق الحق والكشف عنه . . فهى محمودة ، لأنها تهدى إلى الخير والصلاح . .
قال صاحب الكشاف : فأما الجدال فى آيات الله ، لإيضاح ملتبسها ، وحل مشكلها ومقادحة أهل العلم فى استنباط معانيها ورد أهل الزيغ عنها ، فأعظم جهاد فى سبيل الله .
وجملة { إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيهِ } خبر إن ، والكبر بمعنى التكبر والتعالى والتعاظم على الغير .
والمعنى : إن الذين يجادلون فى آيات الله - تعالى - الدالة على وحدانيته وصدق رسله ، وليس عندهم دليل أو برهان على صحة دعواهم . .
هؤلاء المجادلون بالباطل ما حملهم على ذلك إلا التكبر والتعاظم والتطلع إلى الرياسة وإلى أن تكون النبوة فيهم أو فيمن يميلون إليهم . . وهم جميعا لن يصصلوا إلى شئ من ذلك ، ولن يبلغوا ما تتوق إليه نفوسهم المريضة ، لأن العطاء والمنع بيد الله - تعالى - وحده .
وصدق الله إذ يقول : { مَّا يَفْتَحِ الله لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ العزيز الحكيم } فالآية الكريمة تبين أن على رأس الأسباب التى حملت هؤلاء المجادلين بالباطل على جدالهم . هو حبهم للتكبر والتعالى . .
قال الآلوسى : قوله : { بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ . . } أى : بغير حجة فى ذلك أتتهم من جهته - تعالى - وتقييد المجادلة بذلك مع استحالة إتيان الحجة ، للإِيذان بأن المتكلم فى أمر الدين ، لابد من استناده إلى حجة واضحة وبرهان مبين ، وهذا عام فى كل مجادل مبطل . .
وقوله : { مَّا هُم بِبَالِغِيهِ } صفة لقوله { كِبْرٌ } أى ما هم ببالغى موجب الكبر ومقتضيه ، وهو متعلق إرادتهم من دفع الآيات أو من الرياسة أو النبوة . .
وقوله - سبحانه - : { فاستعذ بالله إِنَّهُ هُوَ السميع البصير } إرشاد منه - تعالى - إلى ما يقى من شرور هؤلاء المجادلين بالباطل .
أى : هذا هو حال المجادلين بالباطل وهذا هو الدافع إلى جدالهم ، وما دام هذا هو حالهم ، فالتجئ إلى الله - تعالى - أيها الرسول الكريم - لكى يحفظك من شرورهم وكيدهم ، نه - تعالى - هو السميع لكل شئ ، البصير بما ظهر وخفى من شئون عباده .
وقوله : { إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ } أي : يدفعون الحق بالباطل ، ويردون الحجج الصحيحة بالشبه الفاسدة بلا برهان ولا حجة من الله ، { إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ }
أي : ما في صدورهم إلا كبر على اتباع الحق ، واحتقار لمن جاءهم به ، وليس ما يرومونه من إخمال الحق وإعلاء الباطل بحاصل لهم ، بل الحق هو المرفوع ، وقولهم وقصدهم هو الموضوع ، { فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ } أي : من حال مثل هؤلاء ، { إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } أو{[25552]} من شر{[25553]} مثل هؤلاء المجادلين في آيات الله بغير سلطان . هذا تفسير ابن جرير .
وقال كعب وأبو العالية : نزلت هذه الآية في اليهود : { إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ } قال أبو العالية : وذلك أنهم ادعوا أن الدجال منهم ، وأنهم يملكون به الأرض . فقال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم آمرا له أن يستعيذ من فتنة الدجال ، ولهذا قال : { فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } .
وهذا قول غريب ، وفيه تعسف بعيد ، وإن كان قد رواه ابن أبي حاتم في كتابه ، والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.