اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يُجَٰدِلُونَ فِيٓ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ بِغَيۡرِ سُلۡطَٰنٍ أَتَىٰهُمۡ إِن فِي صُدُورِهِمۡ إِلَّا كِبۡرٞ مَّا هُم بِبَٰلِغِيهِۚ فَٱسۡتَعِذۡ بِٱللَّهِۖ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِيرُ} (56)

قوله ( تعالى ){[48342]} : { إِنَّ الذين يُجَادِلُونَ في آيَاتِ الله بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ . . } الآية لما ابتدأ بالرد على الذين يُجادلون في آيات الله واتصل الكلام بعضه ببعض على الترتيب المتقدم إلى هنا نبه تعالى على الداعية التي تحمل أولئك الكفار على تلك المجادلة ، فقال : { إِنَّ الذين يُجَادِلُونَ في آيَاتِ الله بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ } أي ما يحملهم على هذا العمل الباطل إلا الكبر الذي في صدروهم . قال ابن عباس : والمراد ما في قلوبهم ، والصدر موضع القلب فكني به عن القلب لمجاورته .

قوله : { مَّا هُم بِبَالِغِيهِ } قال مجاهد : ما هم ببالغي مقتضى ذلك الكبر ؛ لأن الله عزّ وجلّ مذلّهم{[48343]} . قال ابن قتيبة : «إن في صدورهم إلا تكبر على محمد ، وطمع أن يغلبوه ، وما هم ببالغي ذلك »{[48344]} .

وقوله { فاستعذ بالله } قال المفسرون : نزلت في اليهودِ ، وذلك أنهم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : إنا صاحبنا المسيحُ بنُ داود يعنون الدّجّال يخرج في آخر الزمان فيبلغ سلطانه البر والبحر ويرد المُلْكَ إلينا ، قال الله تعالى : فاستعذ بالله من فتنة الدجال إنه هو السميع البصير{[48345]} . وقال ابن الخطيب : يعنى بقوله { مَّا هُم بِبَالِغِيهِ } يعنى أنهم يريدون{[48346]} أذاك ، ولا يصلون إلى هذا المراد بل لا بد وأن يصيروا تحت أمرك ونهيك{[48347]} . ثم قال تعالى : { فاستعذ بالله } أي فالتجئ إليه من كيد من يجادلك{[48348]} إنه هو السَّمِيعُ بما يقولون أو تقول «البَصِيرُ » بما يعملون وتعمل فهو يجعلك نَافِذَ الحكم عليهم ويصونك عن مكرهم وكيدهم .


[48342]:سقط من ب.
[48343]:انظر تفسير البغوي 6/98 والرازي 27/79.
[48344]:نقله في غريب القرآن 387.
[48345]:قاله البغوي والخازن في المرجع السابق 6/98.
[48346]:في تفسيره أن لا يكونوا تحت يديك.
[48347]:التفسير الكبير له 27/79.
[48348]:في ب: يحسدك.