فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يُجَٰدِلُونَ فِيٓ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ بِغَيۡرِ سُلۡطَٰنٍ أَتَىٰهُمۡ إِن فِي صُدُورِهِمۡ إِلَّا كِبۡرٞ مَّا هُم بِبَٰلِغِيهِۚ فَٱسۡتَعِذۡ بِٱللَّهِۖ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِيرُ} (56)

{ إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ } عام في كل مجادل وإن نزل في مشركي مكة ، قاله أبو السعود { فِي آَيَاتِ اللَّهِ } أي القرآن { بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ } أي بغير حجة ظاهرة واضحة جاءتهم من جهة الله سبحانه تقييدا لمجادلة بذلك مع استحالة إتيانه للإيذان بأن المتكلم في أمر الدين لابد من استناده إلى سلطان مبين .

{ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ } أي ما في قلوبهم إلا تكبر عن الحق يحملهم على تكذيبك { مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ } صفة لكبر : قال الزجاج : بالغي إرادتهم فيه فجعله على حذف المضاف ، وقال غيره بالغي كبرهم . وقال ابن قتيبة : كبر أي تكبر على محمد صلى الله عليه وسلم وطمع أن يبلغوه وما هم ببالغي ذلك ، وقيل : المراد بالكبر الأمر الكبير ، أي يطلبون النبوة ويطلبون أمرا كبيرا يصلون به إليك من القتل ونحوه ، ولا يبلغون ذلك . وقال مجاهد معناه في صدورهم عظمة ما هم ببالغيها ، والمراد بهذه الآية المشركون ، وقيل اليهود .

عن أبي العالية قال : ( إن اليهود أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا إن الدجال يكون منا في آخر الزمان ، ويكون من أمره فعظموا أمره ، وقالوا يصنع كذا ويصنع كذا ، فأنزل الله هذه الآية . قال : لا يبلغ الذي يقول ، فاستعذ بالله ، فأمر نبيه أن يتعوذ من فتنة الدجال ، لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الدجال ، أخرجه عبد بن حميد ، وابن أبي حاتم ، قال السيوطي : بسند صحيح ، وعن كعب الأحبار قال : هم اليهود نزلت فيهم ، فيما ينتظرونه من أمر الدجال . وقال مجاهد { إلا كبر } أي عظمة قريش ، ثم أمره الله سبحانه بأن يستعيذ بالله من شرورهم فقال :

{ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ } أي فالتجئ إليهم من شرهم ، وكيدهم ، وبغيهم عليك { إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ } لأقوالهم { الْبَصِيرُ } بأفعالهم لا تخفى عليه من ذلك خافية