تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَإِن فَاتَكُمۡ شَيۡءٞ مِّنۡ أَزۡوَٰجِكُمۡ إِلَى ٱلۡكُفَّارِ فَعَاقَبۡتُمۡ فَـَٔاتُواْ ٱلَّذِينَ ذَهَبَتۡ أَزۡوَٰجُهُم مِّثۡلَ مَآ أَنفَقُواْۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيٓ أَنتُم بِهِۦ مُؤۡمِنُونَ} (11)

وقوله : { وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ } بأن ذهبن مرتدات ، { فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا } كما تقدم أن الكفار إذا كانوا يأخذون بدل ما يفوت من أزواجهم إلى المسلمين ، فمن ذهبت زوجته من المسلمين إلى الكفار وفاتت عليه ، لزم أن يعطيه فعلى المسلمون من الغنيمة بدل ما أنفق{[1062]} .

{ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ } فإيمانكم بالله ، يقتضي منكم أن تكونوا ملازمين للتقوى على الدوام .


[1062]:- في ب: فعلى المسلمين أن يعطوه من الغنيمة بدل ما أنفق.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَإِن فَاتَكُمۡ شَيۡءٞ مِّنۡ أَزۡوَٰجِكُمۡ إِلَى ٱلۡكُفَّارِ فَعَاقَبۡتُمۡ فَـَٔاتُواْ ٱلَّذِينَ ذَهَبَتۡ أَزۡوَٰجُهُم مِّثۡلَ مَآ أَنفَقُواْۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيٓ أَنتُم بِهِۦ مُؤۡمِنُونَ} (11)

وقوله - سبحانه - : { وَإِن فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الكفار فَعَاقَبْتُمْ } بيان لحكم آخر يتعلق بالنساء اللائى التحقن بالمشركين ، وتركن أزواجهن المسلمين ، وأبى المشركون أن يدفعوا للمسلمين مهور هؤلاء الزوجات .

والجملة الكريمة معطوفة على قوله - تعالى - قبل ذلك : { وَاسْأَلُواْ مَآ أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُواْ مَآ أَنفَقُواْ } .

وقد ذكروا أن المسلمين لما نزل قوله - تعالى - : { ياأيها الذين آمَنُواْ إِذَا جَآءَكُمُ المؤمنات مُهَاجِرَاتٍ . . } الآية . كتبوا إلى المشركين يعلمونهم بما تضمنته هذه الآية .

فامتنع المشركون عن دفع مهور النساء اللاتى ذهبن إليهم ، بعد أن تركن أزواجهن المسلمين ، فنزل قوله - تعالى - : { وَإِن فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الكفار فَعَاقَبْتُمْ } .

قال ابن كثير : أقر المؤمنون بحكم الله فأدوا ما أمروا به من نفقات المشركين التى انفقوها على نسائهم ، وأبى المشركون أن يقروا بحكم الله فيما فرض عليهم من أداء نفقات المسلمين ، فقال الله - تعالى - للمؤمنين به ، { وَإِن فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ } الآية .

وقوله { فَاتَكُمْ } من الفَوْتِ بمعنى الفراق والترك والهرب . . . يقال : فاتنى هذا الشىء ، إذا لم أتمكن من الحصول عليه ، وعدى حرف إلى لتضمنه معنى الفرار .

ولفظ " شىء " هنا المراد به بعض ، وقوله : { مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ } بيان للفظ شىء .

وقوله : { فَعَاقَبْتُمْ } يرى بعضهم أنه من العقوبة .

وعليه يكون المعنى : وإن تفلتت وفرت امرأة من أزواجكم - أيها المؤمنون - إلى الكفار ، وامتنعوا عن دفع مهرها لكم ، { فَعَاقَبْتُمْ } أى : فغزوتم أنتم بعد ذلك هؤلاء الكافرين وانتصرتم عليهم وظفرتم بمغانم منهم .

{ فَآتُواْ الذين ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ } منكم إلى الكفار من هذه المغانم ، { مِّثْلَ مَآ أَنفَقُواْ } أى : مثل المهور التى أنفقوها على زوجاتهم اللائى فررن إلى المشركين .

ويرى بعضهم أن قوله : { فَعَاقَبْتُمْ } صيغة تفاعل من العُقْبة - بضم العين وسكون القاف وهى النوبة ، بمعنى أن يصير الإنسان فى حالة تشبه حالة غيره .

قال الآلوسى : قوله : { فَعَاقَبْتُمْ } من العُقْبَةِ لا من العقاب ، وهى فى الأصل النوبة فى ركوب أحد الرفيقين على دابة لهما والآخر بعده : أى : فجاءت عقبتكم أى نوبتكم من أداء المهر .

شبه الحكم بالأداء المذكور ، بأمر يتعاقبون فيه فى الركوب .

وحاصل المعنى : إن لحق أحد من أزواجكم بالكفار ، أو فاتكم شىء من مهورهن ، { فَآتُواْ الذين ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِّثْلَ مَآ أَنفَقُواْ } من مهر المهاجرة التى تزوجتموها ، ولا تعطوا شيئا لزوجها الكافر ، ليكون قصاص .

وعبر عن هؤلاء الزوجات اللائى تركن أزواجهن المؤمنين ، وفررن إلى المشركين ، بلفظ " شىء " لتحقير هؤلاء الزوجات ، وتهوين أمرهن على المسلمين ، وبيان أنهن بمنزلة الشىء الضائع المفقود الذى لا قيمة له .

قال صاحب الكشاف : وجميع من لحق بالمشركين من نساء المؤمنين المهاجرين ست نسوة .

وقد أعطى الرسول - صلى الله عليه وسلم - المؤمنين مهور نسائهم - اللاحقات بالمشركين - من الغنيمة .

ثم ختم - سبحانه - الآية الكريمة بقوله : { واتقوا الله الذي أَنتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ } أي : واتقوا الله - تعالى - أيها المؤمنون - فى كل شئونكم ، ونفذوا ما أمركم به أو نهاكم عنه ، فإن الإيمان الحق به - عز وجل - يستزلم منكم ذلك .

فالمقصود بهذا التذييل ، الحض على الوفاء بما أمر الله - تعالى - به ، بدون تهاون أو تقاعس .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَإِن فَاتَكُمۡ شَيۡءٞ مِّنۡ أَزۡوَٰجِكُمۡ إِلَى ٱلۡكُفَّارِ فَعَاقَبۡتُمۡ فَـَٔاتُواْ ٱلَّذِينَ ذَهَبَتۡ أَزۡوَٰجُهُم مِّثۡلَ مَآ أَنفَقُواْۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيٓ أَنتُم بِهِۦ مُؤۡمِنُونَ} (11)

فإذا فات المؤمنين شيء مما أنفقوا ، بامتناع الكوافر أو أهليهن من رد حق الزوج المؤمن - كما حدث في بعض الحالات - عوضهم الإمام مما يكون للكافرين الذين هاجرت زوجاتهم من حقوق على زوجاتهم في دار الإسلام ، أو مما يقع من مال الكفار غنيمة في أيدي المسلمين :

( وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا )ويربط هذا الحكم وتطبيقاته كذلك بالضمان الذي يتعلق به كل حكم وكل تطبيق :

( واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون ) . .

وهي لمسة للمؤمنين بالله عميقة الأثر في القلوب .

وهكذا تكون تلك الأحكام بالمفاصلة بين الأزواج تطبيقا واقعيا للتصور الإسلامي عن قيم الحياة وارتباطاتها ؛ وعن وحدة الصف الإسلامي وتميزه من سائر الصفوف ؛ وعن إقامة الحياة كلها على أساس العقيدة ، وربطها كلها بمحور الإيمان ؛ وإنشاء عالم إنساني تذوب فيه فوارق الجنس واللون واللغة والنسب والأرض . وتبقى شارة واحدة تميز الناس . . شارة الحزب الذي ينتمون إليه . . وهما حزبان اثنان : حزب الله وحزب الشيطان . .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَإِن فَاتَكُمۡ شَيۡءٞ مِّنۡ أَزۡوَٰجِكُمۡ إِلَى ٱلۡكُفَّارِ فَعَاقَبۡتُمۡ فَـَٔاتُواْ ٱلَّذِينَ ذَهَبَتۡ أَزۡوَٰجُهُم مِّثۡلَ مَآ أَنفَقُواْۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيٓ أَنتُم بِهِۦ مُؤۡمِنُونَ} (11)

عطف على جملة { واسألوا ما أنفقتم } [ الممتحنة : 10 ] فإنها لما ترتب على نزولها إِباء المشركين من أن يردّوا إلى أزواج النساء اللاءِ بقين على الكفر بمكة واللاء فَرَرْنَ من المدينة والتحَقْنَ بأهل الكفر بمكة مهورَهم التي كانوا أَعطوها نساءهم ، عقبت بهذه الآية لتشريع ردّ تلك المهور من أموال المسلمين فيما بينهم .

روي أن المسلمين كتبوا إلى المشركين يعلمونهم بما تضمنته هذه الآية من الترادِّ بين الفريقين في قوله تعال : { واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا } [ الممتحنة : 10 ] .

فامتنع المشركون من دفع مهور النساء اللاتي ذهبت إليهم فنزل قوله تعالى : { وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار } الآية .

وأصل الفوت : المفارقة والمباعدة ، والتفاوت : المتباعد . والفوت هنا مستعار لضياع الحق كقول رُويشد بن كثير الطائي أو عَمرو بن معد يكرب :

إن تُذنبوا ثم تأتِيني بقيتكم *** فمَا عَليَّ بذنب منكمُ فَوْت

أي فلا ضياع عليّ بما أذنبتم ، أي فإنا كمن لم يضعْ له حق .

والمعنى : إن فرت بعض أزواجكم ولحقت بالكفار وحصل التعاقب بينكم وبين الكفار فعقَّبتم على أزواج الكفار وعقَّب الكفار على أزواجكم وأبى الكفار من دفع مهور بعض النساء اللاء ذهبن إليهم ، فادفعوا أنتم لمن حرمه الكفار مهر امرأته ، أي ما هو حقه ، واحجزوا ذلك عن الكفار . وهذا يقتضي أنه إن أعطي جميع المؤمنين مهور مَن فاتهم من نسائهم وبقي للمشركين فضل يرده المسلمون إلى الكفار . هذا تفسير الزهري في رواية يونس عنه وهو أظهر ما فسرت به الآية .

وعن ابن عباس والجمهور : الذين فاتهم أزواجهم إلى الكفار يعطون مهور نسائهم من مغانم المسلمين . وهذا يقتضي أن تكون الآية منسوخة بآية سورة [ [ براءة : 7 ] { كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله } .

والوجه أن لا يُصار إلى الإِعطاء من الغنائم إلا إذا لم يكن في ذمم المسلمين شيء من مهور نساء المشركين اللاءِ أتيْنَ إلى بلاد الإِسلام وصرن أزواجاً للمسلمين .

والكلام إيجاز حذف شديد دل عليه مجموع الألفاظ وموضع الكلام عقب قوله تعالى : وإن فاتكم شيء من أزواجكم } .

ولفظ { شيء } هنا مراد به : بعض { من أزواجكم } بيان ل { شيء } ، وأريد ب { شيء } تحقير الزوجات اللاءِ أبَيْن الإِسلام ، فإن المراد قد فاتت ذاتها عن زوجها فلا انتفاع له بها .

وضمّن فعل { فاتكم } معنى الفرار فعدّي بحرف { إلى } أي فررن إلى الكفار .

و« عاقبتم » صيغة تفاعل من العُقْبة بضم العين وسكون القاف وهي النوبة ، أي مصير أحد إلى حال كان فيها غيرُه . وأصلها في ركوب الرواحل والدوابّ أن يركب أحد عُقْبَة وآخر عَقبة شبه ما حكم به على الفريقين من أداء هؤلاء مهورَ نساء أولئك في بعض الأحوال ومن أداء أولئك مهور نساء هؤلاء في أحوال أخرى مماثلة بمركوب يتعاقبون فيه .

ففعل { ذهبت } مجاز مثل فعل { فاتكم } في معنى عدم القدرة عليهن .

والخطاب في قوله : { وإن فاتكم شيء من أزواجكم } وفي قوله : { فآتوا } خطاب للمؤمنين والذين ذهبت أزواجهم هم أيضاً من المؤمنين .

والمعنى : فليعْط المؤمنون لإخوانهم الذين ذهبت أزواجهم ما يماثل ما كانوا أعطوه من المهور لزوجاتهم .

والذي يتولى الإِعطاء هنا هو كما قررنا في قوله : { آتوهم ما أنفقوا } [ الممتحنة : 10 ] أي يُدفع ذلك من أموال المسلمين كالغنائم والأخماس ونحوها كما بينته السنة : أعطى النبي صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب ، وعياض بن أبي شداد الفهري ، وشماس بن عثمان ، وهشام بن العاص ، مهور نسائهم اللاحقات بالمشركين من الغنائم .

وأفاد لفظ { مثل } أن يكون المهرُ المعطى مساوِياً لما كان أعطاه زوج المرأة من قبلُ لا نقص فيه .

وأشارت الآية إلى نسوة من نساء المهاجرين لم يسلمْن وهن ثمان نساء : أمّ الحكم بنت أبي سفيان كانت تحت عياض بن شداد ، وفاطمة بنت أبي أمية ويقال : قُريبة وهي أخت أم سلمة كانت تحت عُمر بن الخطاب ، وأمّ كلثوم بنت جرول كانت تحت عُمَر ، وبَروع ( بفتح الباء على الأصح والمحدثون يكسرونها ) بنت عقبة كانت تحت شماس بن عثمان وشَهبة بنت غيلان وعبدةُ بنتُ عبد العزى كانت تحت هشام بن العاص ، وقيل تحت عَمرو بن عبد وهندٌ بنت أبي جهل كانت تحت هشام بن العاص ، وأروى بنت ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب كانت تحت طلحة بن عبيد الله ، وكان قد هاجر وبقيت زوجه مشركة بمكة فلما نزلت الآية طلقها طلحة بن عبيد الله .

وقد تقدم أن عمر طلق زوجتيه قُريبَة وأمَّ جرول ، فلم تكونا ممن لحقن بالمشركين ، وإنما بقيتا بمكة إلى أن طلقهما عمر . وأحسب أن جميعهن إنما طلقهن أزواجهن عند نزول قوله تعالى : { ولا تمسكوا بعصم الكوافر } [ الممتحنة : 10 ] .

والتذييل بقوله : { واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون } تحريض للمسلمين على الوفاء بما أمرهم الله وأن لا يصدّهم عن الوفاء ببعضه معاملة المشركين لهم بالجور وقلة النصفة ، فأمر بأن يؤدي المسلمون لإِخوانهم مهور النساء اللاء فارقوهن ولم يرض المشركون بإعطائهم مهورهن ولذلك اتبع اسم الجلالة بوصف { الذي أنتم به مؤمنون } لأن الإِيمان يبعث على التقوى والمشركون لمّا لم يؤمنوا بما أمر الله انتفى منهم وازع الإِنصاف ، أي فلا تكونوا مثلهم .

والجملة الاسمية في الصلة للدلالة على ثبات إيمانهم .