تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَلَا تَكُ فِي مِرۡيَةٖ مِّمَّا يَعۡبُدُ هَـٰٓؤُلَآءِۚ مَا يَعۡبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعۡبُدُ ءَابَآؤُهُم مِّن قَبۡلُۚ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمۡ نَصِيبَهُمۡ غَيۡرَ مَنقُوصٖ} (109)

{ 109 ْ } { فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلَاءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ ْ }

يقول الله تعالى ، لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم : { فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلَاءِ ْ } المشركون ، أي : لا تشك في حالهم ، وأن ما هم عليه باطل ، فليس لهم عليه دليل شرعي ولا عقلي ، وإنما دليلهم وشبهتهم ، أنهم { مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ ْ }

ومن المعلوم أن هذا ، ليس بشبهة ، فضلا عن أن يكون دليلا ، لأن أقوال ما عدا الأنبياء ، يحتج لها لا يحتج بها ، خصوصا أمثال هؤلاء الضالين ، الذين كثر خطأهم وفساد أقوالهم ، في أصول الدين ، فإن أقوالهم ، وإن اتفقوا عليها ، فإنها خطأ وضلال .

{ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ ْ } أي : لا بد أن ينالهم نصيبهم من الدنيا ، مما كتب لهم ، وإن كثر ذلك النصيب ، أو راق في عينك ، فإنه لا يدل على صلاح حالهم ، فإن الله يعطي الدنيا من يحب ، ومن لا يحب ، ولا يعطي الإيمان والدين الصحيح ، إلا من يحب . والحاصل أنه لا يغتر باتفاق الضالين ، على قول الضالين من آبائهم الأقدمين ، ولا على ما خولهم الله ، وآتاهم من الدنيا .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَلَا تَكُ فِي مِرۡيَةٖ مِّمَّا يَعۡبُدُ هَـٰٓؤُلَآءِۚ مَا يَعۡبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعۡبُدُ ءَابَآؤُهُم مِّن قَبۡلُۚ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمۡ نَصِيبَهُمۡ غَيۡرَ مَنقُوصٖ} (109)

شرح للرسول صلى الله عليه وسلم - أحوال الكفار من قومه فقال : { فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ . . } والمعنى : فلا تكن ، إلا أنه حذف النون لكثرة الاستعمال ، ولأن حرف النون إذا وقع على طرف الكلام ، لم يبق عند التلفظ به إلا مجرد الغنة ، فلا جرم أسقطوه . .

والمرية بكسر الميم - الشك المتفرع عن محاجة ومجادلة بين المتخاصمين .

والمعنى : لقد قصصنا عليك أيها الرسول الكريم الكثير من أخبار السابقين وبينا لك مصير السعداء والأشقياء . . . وما دام الأمر كذلك ، فلا تك فى شك من أن عبادة هؤلاء المشركين لأصنامهم إنما هى تقليد لما كان يعبده آباؤهم من قبل ، وهذه العبادة لغير الله - تعالى - ستؤدى بالجميع إلى سوء العاقبة وإلى العذاب الأليم .

والخطاب وإن كان للرسول - صلى الله عليه وسلم - على سبيل التسلية والتثبيت ، إلا أن التحذير فيه يندرج تحته كل من يصلح للخطاب .

وهذا الأسلوب كثير ما يكون أوقع فى النفس ، وأشد تأثيراً فى القلب ، لأنه يشعر المخاطب بأن ما بينه الله - تعالى - لرسوله - صلى الله عليه وسلم - إنما هو من قبيل القضايا الموضوعية التى لا تحتاج إلى جدال مع أحد ، ومن جادل فيها فإنما يجادل فى الحق الوضاح بدافع الحسد والعناد ، لأن الواقع يشهد بصحة ما بينه الله - تعالى - لرسوله - صلى الله عليه وسلم - .

وجملة { مَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُم مِّن قَبْلُ } مستأنفة ، لبيان أن الخلف قد ساروا فى الجهالة والجحود على طريقة السلف .

وعبر عن عبادة الآباء بالمضارع ، مع أنها كانت فى الماضى بقرينة { مِّن قَبْلُ } . للدلالة على استمرارهم على هذه العبادة الباطلة حتى موتهم ، وأن أبناءهم لم ينقطعوا عنها ، بل واصلوا السير على طريق آبائهم الضالين بدون تفكر أو تدبر .

والمضاف إليه فى قوله { مِّن قَبْلُ } محذوف ، والتقدير : من قبلهم .

وقوله { وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنقُوصٍ } تذييل قصد به تأكيد العقاب الذى سينزل بهم فى الآخرة بسبب عبادتهم لغير الله .

وموفوهم من التوفية ، وهى إعطاء الشئ كاملا بدون نقص .

والمراد بالنصيب هنا : المقدار المعد لهم من العذاب ، وسماه نصيبا على سبيل التهكم بهم .

أى : وإنا لمعطو هؤلاء الذين نهجوا منهج آبائهم فىعبادة غير الله ، نصيبهم وحظهم من عذاب الآخرة كاملا بدون إنقاص شئ منه ، كما ساروا هم على طريقة سلفهم فى الضلال دون أن يغيروا شيئا منها . . .

ومنهم من جعل المراد بالنصيب هنا : ما يشمل الجزاء على الأعمال الدنوية والأخروية ، .

قال صاحب المنار : " أى ، وإنا لمعطوهم نصيبهم من جزاء أعمالهم فى الدنيا والآخرة وافيا تاما لا ينقص منه شئ ، كما وفينا آباءهم الأولين من قبل ، فإنه ما من خير يعمله أحد منهم كبِرِّ الوالدين وصلة الأرحام .

. . إلا ويوفيهم الله جزاءهم عليه فى الدنيا بسعة الرزق ، وكشف الضر جزاء تاما ، لا ينقصه شئ يجزون عليه فى الآخرة . . . " .

ويبدو لنا أن الرأى الأول أقرب إلى الصواب ، لأن سياق الآية الكريمة يؤيده إذا الكلام فيها فى شأن جزاء الذين ساروا على نهج آبائهم فى الضلال ، وليس فى بيان الجزاء العام فى الدنيا والآخرة .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَلَا تَكُ فِي مِرۡيَةٖ مِّمَّا يَعۡبُدُ هَـٰٓؤُلَآءِۚ مَا يَعۡبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعۡبُدُ ءَابَآؤُهُم مِّن قَبۡلُۚ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمۡ نَصِيبَهُمۡ غَيۡرَ مَنقُوصٖ} (109)

100

بعد هذا الاستطراد إلى المصير في الآخرة ، بمناسبة عرض مصائر الأقوام في الدنيا ، والمشابه بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة ، وتصوير ما ينتظر المكذبين هنا أو هناك ، أو هنا ثم هناك . . يعود السياق بما يستفاد من القصص ومن المشاهد إلى الرسول [ ص ] والقلة المؤمنة معه في مكة - تسرية وتثبيتا ؛ وإلى المكذبين من قومه بيانا وتحذيرا . فليس هناك شك في أن القوم يعبدون ما كان آباؤهم يعبدون - شأنهم شأن أصحاب ذلك القصص وأصحاب تلك المصائر - ونصيبهم الذي يستحقونه سيوفونه . فإن كان قد أخر عنهم فقد أخر عذاب الاستئصال عن قوم موسى - بعد اختلافهم في دينهم - لأمر قد شاءه الله في إنظارهم . ولكن قوم موسى وقوم محمد على السواء سيوفون ما يستحقون ، بعد الأجل ، وفي الموعد المحدود . ولم يؤخر عنهم العذاب لأنهم على الحق . فهم على الباطل الذي كان عليه آباؤهم بكل تأكيد :

( فلا تك في مرية مما يعبد هؤلاء . ما يعبدون إلا كما يعبد آباؤهم من قبل . وإنا لموفوهم نصيبهم غير منقوص . ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه . ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم . وإنهم لفي شك منه مريب . وإن كلا لما ليوفينهم ربك أعمالهم . . إنه بما يعملون خبير ) . .

لا يتسرب إلى نفسك شك في فساد عبادة هؤلاء . والخطاب للرسول [ ص ] والتحذير لقومه . وهذا الأسلوب أفعل في النفس أحيانا ، لأنه يوحي بأنها قضية موضوعية يبينها الله لرسوله ، وليست جدالا مع أحد ، ولا خطابا للمتلبسين بها ، إهمالا لهم وقلة انشغال بهم ! وعندئذ يكون لتلك الحقيقة الخالصة المجردة أثرها في اهتمامهم أكثر مما لو خوطبوا بها خطابا مباشرا . .

( فلا تك في مرية مما يعبد هؤلاء . ما يعبدون إلا كما يعبد آباؤهم من قبل ) . .

ومصيرهم إذن كمصيرهم . . العذاب . . ولكنه يلفه كذلك في التعبير تمشيا مع الأسلوب :

( وإنا لموفوهم نصيبهم غير منقوص ) . .

ومعروف نصيبهم هذا من نصيب القوم قبلهم . وقد رأينا منه نماذج ومشاهد !

وقد لا يصيبهم عذاب الاستئصال - في الدنيا - كما لم يصب قوم موسى :

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَلَا تَكُ فِي مِرۡيَةٖ مِّمَّا يَعۡبُدُ هَـٰٓؤُلَآءِۚ مَا يَعۡبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعۡبُدُ ءَابَآؤُهُم مِّن قَبۡلُۚ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمۡ نَصِيبَهُمۡ غَيۡرَ مَنقُوصٖ} (109)

لفظ الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ، والمعنى له ولأمته ، ولم يقع لأحد شك فيقع عنه نهي ولكن من فصاحة القول في بيان ضلالة الكفرة إخراجه في هذه العبارة ، أي حالهم أوضح من أن يمترى فيها ، وال { مرية } : الشك ، و { هؤلاء } إشارة إلى كفار العرب عبدة الأصنام ؛ ثم قال : { ما يعبدون إلا كما يعبد آباؤهم من قبل } . المعنى : أنهم مقلدون لا برهان عندهم ولا حجة ، وإنما عبادتهم تشبهاً منهم بآبائهم لا عن بصيرة ؛ وقوله : { وإنَّا لموفوهم نصيبهم غير منقوص } وعيد ، ومعناه : العقوبة التي تقتضيها أعمالهم{[6523]} ، ويظهر من قوله : { غير منقوص } أن على الأولين كفلاً من كفر الآخرين .

وقرأ الجمهور «لموَفّوهم » بفتح الواو وشد الفاء ، وقرأ ابن محيصن «لموفوهم » بسكون الواو وتخفيف الفاء .


[6523]:- هذا قول، وللعلماء في هذا النصيب ثلاثة أقوال ذكرها القرطبي: الأول: نصيبهم من الرزق، قاله أبو العالية. والثاني: نصيبهم من العذاب، قاله ابن زيد، والثالث: ما وعودوا به من خير أو شر. قاله ابن عباس رضي الله عنهما. وكما اختار ابن عطية-رحمه الله- هنا قول أبي زيد اختاره أيضا الزمخشري.