تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَإِن مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ إِلَّا لَيُؤۡمِنَنَّ بِهِۦ قَبۡلَ مَوۡتِهِۦۖ وَيَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ يَكُونُ عَلَيۡهِمۡ شَهِيدٗا} (159)

وقوله : { وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ } يحتمل أن الضمير هنا في قوله : { قَبْلَ مَوْتِهِ } يعود إلى أهل الكتاب ، فيكون على هذا كل كتابي يحضره الموت ويعاين الأمر حقيقة ، فإنه يؤمن بعيسى عليه السلام ولكنه إيمان لا ينفع ، إيمان اضطرار ، فيكون مضمون هذا التهديد لهم والوعيد ، وأن لا يستمروا على هذه الحال التي سيندمون عليها قبل مماتهم ، فكيف يكون حالهم يوم حشرهم وقيامهم ؟ "

ويحتمل أن الضمير في قوله : { قَبْلَ مَوْتِهِ } راجع إلى عيسى عليه السلام ، فيكون المعنى : وما من أحد من أهل الكتاب إلا ليؤمنن بالمسيح عليه السلام قبل موت المسيح ، وذلك يكون عند اقتراب الساعة وظهور علاماتها الكبار .

فإنه تكاثرت الأحاديث الصحيحة في نزوله عليه السلام في آخر هذه الأمة . يقتل الدجال ، ويضع الجزية ، ويؤمن به أهل الكتاب مع المؤمنين . ويوم القيامة يكون عيسى عليهم شهيدا ، يشهد عليهم بأعمالهم ، وهل هي موافقة لشرع الله أم لا ؟

وحينئذ لا يشهد إلا ببطلان كل ما هم عليه ، مما هو مخالف لشريعة القرآن وَلِمَا دعاهم إليه محمد صلى الله عليه وسلم ، علمنا بذلك ، لِعِلْمِنَا بكمال عدالة المسيح عليه السلام وصدقه ، وأنه لا يشهد إلا بالحق ، إلا أن ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم هو الحق وما عداه فهو ضلال وباطل .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَإِن مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ إِلَّا لَيُؤۡمِنَنَّ بِهِۦ قَبۡلَ مَوۡتِهِۦۖ وَيَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ يَكُونُ عَلَيۡهِمۡ شَهِيدٗا} (159)

و { إِن } هنا نافية بمعنى ما النافية ، والمخبر عنه محذوف قامت صفته مقامه .

أى : وما أحد من أهل الكتاب . وحذف أحد لأنه ملحوظ فى كل نفى يدخله الاستثناء . نحو : ما قام إلا زيد . أى ما قام أحد إلا زيد .

وللمفسرين فى تفسير هذه الآية اتجاهان :

الأول : أن الضمير فى قوله { قَبْلَ مَوْتِهِ } يعود إلى عيسى - عليه السلام - وعليه يكون المعنى : وما من أحد من أهل الكتاب إلا ليؤمن بعيسى - عند نزوله فى آخر الزمان - حق الإِيمان ، { قَبْلَ مَوْتِهِ } أى : قيل موت عيسى ، { وَيَوْمَ القيامة يَكُونُ } عيسى - عليه السلام - { عَلَيْهِمْ } أى : على أهل الكتاب { شَهِيداً } فيشهد عليهم بأنه قد أمرهم بعباده الله وحده ، وأنه قد نهاهم عن الإِشراك معه آلهة أخرى .

وقد انتصر لهذا الاتجاه كثير من المفسرين وعلى رأسهم شيخهم ابن جرير . فقد قال - بعد سرد الأقوال فى الآية - : وأولى الأقوال بالصحة والصواب قول من قال . تأويل ذلك : وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن بعيسى قبل موت عيسى .

وقد علق ابن كثير على ما رجحه ابن جرير بقوله : ولا شك أن الذى قاله ابن جرير هو الصحيح . لأن المقصود من سياق الآيات ، بطلان ما زعمته اليهود من قتل عيسى وصلبه ، وبطلان تسليم من سلم لهم من النصارى الجهالة ذلك . فقد أخبر الله - تعالى أن الأمر لم يكن كذلك ، وإنما شبه لهم فقتلوا الشبه وهم لا يتبينون ذلك . ثم إن الله - تعالى - رفع إليه عيسى ، وإنه باق حى ، وإنه سينزل قبل يوم القيامة .

ثم عقد ابن كثير فصلا عنونه بقوله : ذكر الأحاديث الواردة فى نزول عيسى بن مريم إلى الأرض من السماء فى آخر الزمان قبل يوم القيامة وأنه يدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك به .

ثم ساق ابن كثير جملة من الأحاديث فى هذا المعنى منها ما رواه الشيخان عن أبى هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والذى نفسى بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا فيكسر الصليب ، ويقتل الخنزير ، ويضع الجزية ، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد ، وحتى تكون السجدة خيرا له من الدنيا وما فيها " .

ثم يقول أبو هريرة : اقرؤا إن شئتم : { وَإِن مِّنْ أَهْلِ الكتاب إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ } .

أما الاتجاه الثانى : فيرى أصحابه أن الضمير فى قوله { قَبْلَ مَوْتِهِ } يعود إلى الكتابى المدلول عليه بقوله : { وَإِن مِّنْ أَهْلِ الكتاب } وعليه يكون المعنى :

وما من أهل الكتاب أحد إلا ليؤمنن بعيسى قبل موته أى قبل موت هذا الكتابى ، لأنه عند ساعة الاحتضار يتجلى له الحق ، ويتبين له صحة ما كان ينكره ويجحده فيؤمن بعيسى - عليه السلام - ويشهد بأنه عبد الله ورسوله ، وأن الله واحد لا شريك له ، ولكن هذا الإِيمان لا ينفعه ، لأنه جاء فى وقت الغرغرة ، وهو وقت لا ينفع فيه الإِيمان ، لانقطاع التكلي فيه .

قالوا : ويؤيد هذا التأويل قراءة أبى : { إلا ليؤمنن به قبل موتهم } - بضم النون وبميم الجمع - .

وقد صدر صاحب الكشاف كلامه بذكر هذا التأويل فقال ما ملخصه : والمعنى : وما من اليهود والنصارى أحد إلا ليؤمنن قبل موته بعيسى . وبأنه عبد الله ورسوله . يعنى : إذا عاين قبل أن تزهق روحه حين لا ينفعه إيمانه .

فإن قلت : ما فائدة الإِخبار بعيسى قبل موتهم ؟ قلت فائدته الوعدي ، وليكون عملهم بأنهم لا بد لهم من الإِيمان به عن قريب عند المعاينة ، وأن ذلك لا ينفعهم ، بعثا لهم وتنبيها على معاجلة الإِيمان به فى وقت الانتفاع به ، وليكون إلزاما للحجة لهم .

وقيل : الضميران لعيسى بمعنى : وإن منهم أحد إلا ليؤمننن بعيسى قبل موت عيسى وهم أهل الكتاب الذين يكونون فى زمان نزوله .

والذى نراه أولى أنه لا تعارض بين التأويلين . فإن كلا منهما حق فى ذاته .

فكل كتابى عندما تحضره الوفاة يعلم أن عيسى كان صادقا فى نبوته ، وأنه عبد الله ، وأنه قد دعا الناس إلى عبادة الله وحده . وكذلك كل كتابى يشهد نزول عيسى فى آخر الزمان سيؤمن به ويتبعه ويشهد بأنه صادق فيما بلغه عن ربه .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَإِن مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ إِلَّا لَيُؤۡمِنَنَّ بِهِۦ قَبۡلَ مَوۡتِهِۦۖ وَيَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ يَكُونُ عَلَيۡهِمۡ شَهِيدٗا} (159)

148

ونعود من هذا الاستطراد ، مع عودة السياق القرآني إلى بقية هذا الاستدراك :

( وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ؛ ويوم القيامة يكون عليهم شهيدًا ) .

وقد اختلف السلف في مدلول هذه الآية ، باختلافهم في عائد الضمير في " موته " فقال جماعة : وما من أهل الكتاب من أحد إلا يؤمن بعيسى - عليه السلام - قبل موته - أي عيسى - وذلك على القول بنزوله قبيل الساعة . . وقال جماعة وما من أهل الكتاب من أحد إلا يؤمن بعيسى قبل موته . . أي موت الكتابي - وذلك على القول بأن الميت - وهو في سكرات الموت - يتبين له الحق ، حيث لا ينفعه أن يعلم !

ونحن أميل إلى هذا القول الثاني ؛ الذي ترشح له قراءة أبى : " إلا ليؤمنن به قبل موتهم " . . فهذه القراءة تشير إلى عائد الضمير ؛ وأنه أهل الكتاب . . وعلى هذا الوجه يكون المعنى : أن اليهود الذين كفروا بعيسى - عليه السلام - وما زالوا على كفرهم به ، وقالوا : إنهم قتلوه وصلبوه ، ما من أحد منهم يدركه الموت ، حتى تكشف له الحقيقة عند حشرجة الروح ، فيرى أن عيسى حق ، ورسالته حق ، فيؤمن به ، ولكن حين لا ينفعه إيمان . . ويوم القيامة يكون عيسى عليهم شهيدا .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَإِن مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ إِلَّا لَيُؤۡمِنَنَّ بِهِۦ قَبۡلَ مَوۡتِهِۦۖ وَيَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ يَكُونُ عَلَيۡهِمۡ شَهِيدٗا} (159)

وقوله تعالى : { وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته } اختلف المتأولون في معنى الآية فقال ابن عباس وأبو مالك والحسن بن أبي الحسن وغيرهم : الضمير في { موته } راجع إلى عيسى ، والمعنى أنه لا يبقى من أهل الكتاب أحد إذا نزل عيسى إلى الأرض إلا يؤمن بعيسى كما يؤمن سائر البشر ، وترجع الأديان كلها واحداً ، وقال مجاهد وابن عباس أيضاً وغيرهما : الضمير في { به } لعيسى وفي { موته } للكتابي الذي تضمنه قوله { وإن من أهل الكتاب } التقدير : وإن من أهل الكتاب أحد{[4368]} ، قالوا : وليس يموت يهودي حتى يؤمن بعيسى روح الله ، ويعلم أنه نبي ولكن عند المعاينة للموت ، فهو إيمان لا ينفعه ، كما لم ينفع فرعون إيمانه عند المعاينة ، وقال هذا القول عكرمة والضحاك والحسن بن أبي الحسن أيضاً ، وقال عكرمة أيضاً : الضمير في { به } لمحمد عليه السلام ، و { قبل موته } للكتابي ، قال : وليس يخرج يهودي ولا نصراني من الدنيا حتى يؤمن بمحمد ، ولو غرق أو سقط عليه جدار فإنه يؤمن في ذلك الوقت ، وفي مصحف أبي بن كعب «قبل موتهم » ففي هذه القراءة تقوية لعود الضمير على الكتابي ، وقرأ الفياض بن غزوان «وإنّ من أهل الكتاب » بتشديد «إن » والضمير المستتر في يكون هو لعيسى عليه السلام في جل الأقوال ، ولمحمد عليه السلام في قول عكرمة .


[4368]:- هذا هو تقدير سيبويه للآية، أما الكوفيون فيقدرونها: وإن من أهل الكتاب إلا من ليؤمنن به، قالوا: وفيه قبح، لأن فيه حذف الموصول، والصلة بعض الموصول فكأن فيه حذف بعض الاسم، هذا ومثل هذه الآية آيات أخرى كثيرة، منها قوله تعالى: {وإن منكم إلا واردها}، وقوله تعالى: {وما منا إلا له مقام معلوم}، والتقدير فيهما: وما أحد منكم إلا واردها، وما أحد منا إلا له مقام معلوم.