تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلَئِن مُّتُّمۡ أَوۡ قُتِلۡتُمۡ لَإِلَى ٱللَّهِ تُحۡشَرُونَ} (158)

وأن الخلق أيضا إذا ماتوا أو قتلوا بأي حالة كانت ، فإنما مرجعهم إلى الله ، ومآلهم إليه ، فيجازي كلا بعمله ، فأين الفرار إلا إلى الله ، وما للخلق عاصم إلا الاعتصام بحبل الله ؟ "

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَلَئِن مُّتُّمۡ أَوۡ قُتِلۡتُمۡ لَإِلَى ٱللَّهِ تُحۡشَرُونَ} (158)

ثم بين - سبحانه - أن مصير العباد جميعا إليه وحده فقال .

{ وَلَئِنْ مُّتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإِلَى الله تُحْشَرُونَ } .

أى ولئن متم - أيها المؤمنون - وأنتم فى بيوتكم أو فى أى مكان ، أو قتلتم بأيديى أعدائكم وأنتم تجاهدون فى سبيل الله ، فعلى أى وجه من الوجوه كان انقضاء حياتكم فإنكم إلى الله وحده جميعا تعودون وتحشرون فيجازيكم على أعمالكم .

فأنت ترى أن هذه الآيات الكريمة قد اشتملت على أبلغ ألوان الترغيب فى الجهاد من أجل إعلاء كلمة الله ، لأنها قد بينت أن الحياة والموت بيد الله وحده وأنه سبحانه قد يكتب الحياة للمسافر والغازى مع اقتحامها لموارد الحتوف ، وقد يميت المقيم والقاعد فى بيته مع حيازته لأسباب السلامة .

وأن الذين يموتون على الإيمان الحق ، أو يقتلون وهم يجاهدون فى سبيل الله فإن لهم من مغفرة الله ورحمته ما هو خير مما يجمعه الكافرون من حطام الدنيا .

وأن جميع الخلق مؤمنمهم وكافرهم سيعودون إلى الله ليجازيهم على أعمالهم يوم الدين .

قال الفخر الرازى : واعلم أن فى قوله : { لإِلَى الله تُحْشَرُونَ } دقائق :

أحداها : أنه لم يقل : تحشرون إلى الله ، بل قال : لإلى الله تحشرون ، وهذا يفيد الحصر ، وهذا يدل على أنه لا حاكم فى ذلك اليوم ولا نافع ولا ضار إلا هو .

وثانيهما : أنه ذكر من أسمائه هذا الاسم ، وهذا الاسم أعظم الأسماء وهو دال على كمال الرحمة . وكمال القهر ، فهو لدلالته على كمال الرحمة أعظم أنواع الوعد ، ولدلالته على كمال القهر أشد أنواع الوعيد .

وثالثها : أن قوله { تُحْشَرُونَ } فعل لم يسم فاعله ، مع أن فاعل ذلك الحشر هو الله وإنما ما يقع التصريح به لأنه - تعالى - هو العظيم الكبير الذى شهدت العقول بأنه هو الذى يبدىء ويعيد ، ومنه الإنشاء والإعادة فترك التصريح فى مثل هذا الموضع أدل على العظمة .

ورابعها : أن قوله { تُحْشَرُونَ } خطاب مع الكل فهو يدل على أن جميع العاملين ، يحشرون إلى الله فيجتمع المظلوم مع الظالم والمقتول مع القاتل ، والله - تعالى - هو الذى يتولى الحكم بينهم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَئِن مُّتُّمۡ أَوۡ قُتِلۡتُمۡ لَإِلَى ٱللَّهِ تُحۡشَرُونَ} (158)

121

( وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإٍلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ )

وكلهم مرجوعون إلى الله ، محشورون إليه على كل حال . ماتوا على فراشهم أو ماتوا وهم يضربون في الأرض ، أو قتلوا وهم يجاهدون في الميدان . فما لهم مرجع سوى هذا المرجع ؛ وما لهم مصير سوى هذا المصير . . والتفاوت إذن إنما يكون في العمل والنية وفي الاتجاه والاهتمام . . أما النهاية فواحدة : موت أو قتل في الموعد المحتوم ، والأجل المقسوم . ورجعة إلى الله وحشر في يوم الجمع والحشر . . ومغفرة من الله ورحمة ، أو غضب من الله وعذاب . . فأحمق الحمقى من يختار لنفسه المصير البائس . وهو ميت على كل حال !

بذلك تستقر في القلوب حقيقة الموت والحياة ، وحقيقة قدر الله . وبذلك تطمئن القلوب إلى ما كان من ابتلاء جرى به القدر ؛ وإلى ما وراء القدر من حكمة ، وما وراء الابتلاء من جزاء . . وبذلك تنتهي هذه الجولة في صميم أحداث المعركة ، وفيما صاحبها من ملابسات . .

/خ179

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَلَئِن مُّتُّمۡ أَوۡ قُتِلۡتُمۡ لَإِلَى ٱللَّهِ تُحۡشَرُونَ} (158)

{ ولئن متم أو قتلتم } أي على أي وجه اتفق هلاككم . { لإلى الله تحشرون } لإلى معبودكم الذي توجهتم إليه . وبذلتم مهجكم لوجهه لا إلى غيره لا محالة تحشرون ، فيوفي جزائكم ويعظم ثوابكم . وقرأ نافع وحمزة والكسائي { متم } بالكسر .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلَئِن مُّتُّمۡ أَوۡ قُتِلۡتُمۡ لَإِلَى ٱللَّهِ تُحۡشَرُونَ} (158)

واللام في قوله : { ولئن قتلتم } موطّئة للقسم أي مؤذنة بأنّ قبلها قسماً مقدّراً ، ورد بعده شرط فلذلك لا تقع إلاّ مع الشرط . واللام في قوله : { لمغفرة } هي لام جواب القسم . والجوابُ هو قوله : { لمغفرة من الله ورحمة خير } لظهور أنّ التقدير : لمغفرة ورحمة لكم . وقرأه نافع ، وحمزة ، والكسائي ، وخلف : مِتّم بكسر الميم على لغة الحجاز لأنَّهم جعلوا مَاضيهُ مثل خَاف ، اعتبروه مكسور العين وجعلوا مضارعه من باب قَام فقالوا : يموت ، ولم يقولوا : يمات ، فهو من تداخل اللغتين . وأمَّا سُفلى مضر فقد جاءوا به في الحالين من باب : قام فقرأوه : مُتُّم . وبها قرأ ابن كثير ، وابن عامر ، وأبو عَمرو ، وعاصم ، وأبو جعفر ، ويعقوب . وقرأ الجمهور { ممَّا تجمعون } بتاء الخطاب وقرأ حفص عن عاصم بياء الغائب على أنّ الضّمير عائد إلى المشركين أي خير لكم من غنائم المشركين الّتي جمعوها وطمعتم أنتم في غنمها .

وقُدّم القتل في الأولى والموتُ في الثانية اعتباراً بعطف ما يظنّ أنّه أبْعد عن الحكم فإنّ كون القتل في سبيل الله سبباً للمغفرة أمر قريب ، ولكن كون الموت في غير السبيل مثل ذلك أمر خفي مستبعد ، وكذلك تقديم الموت في الثَّانية لأنّ القتل في سبيل الله قد يظنّ أنَّه بعيد عن أن يعقبه الحشر ، مع ما فيه من التفنّن ، ومن ردّ العجز على الصدر وجعل القتل مبدأ الكلام وعوده .