تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{عَيۡنٗا يَشۡرَبُ بِهَا عِبَادُ ٱللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفۡجِيرٗا} (6)

{ عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ } أي : ذلك الكأس اللذيذ الذي يشربون به ، لا يخافون نفاده ، بل له مادة لا تنقطع ، وهي عين دائمة الفيضان والجريان ، يفجرها عباد الله تفجيرا ، أنى شاءوا ، وكيف أرادوا ، فإن شاءوا صرفوها إلى البساتين الزاهرات ، أو إلى الرياض الناضرات ، أو بين جوانب القصور والمساكن المزخرفات ، أو إلى أي : جهة يرونها من الجهات المونقات .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{عَيۡنٗا يَشۡرَبُ بِهَا عِبَادُ ٱللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفۡجِيرٗا} (6)

وذكر - سبحانه - { عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ الله . . . } بدل من قوله : { كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً } لأن ماءها فى بياض الكافور وفى رائحته وبرودته .

أى : أن الأبرار يشربون من كأس ، ماؤها ينبع من عين فى الجنة ، هذا الماء له بياض الكافور ورائحته وبرودته .

وعدى فعل " يشرب " بالباء ، التى هى باء الإِلصاق ، لأن الكافور يمزج به شرابهم . أى ؛ عينا يشرب عباد الله ماءهم وخمرهم بها . أى : مصحوبا بمائها وخمرها .

ومنهم من جعل الباء هنا بمعنى من التبعيضية . أى : عينا يشرب من بعض مائها وخمرها عباد الله ، وهم الأبرار .

وعبر عنهم بذلك لتشريفهم وتكريمهم ، حيث أضافهم - سبحانه - إلى ذاته .

قال صاحب الكشاف : فإن قلت : لم وصل فعل الشرب بحرف الابتداء أولا ، وبحرف الإِلصاق آخرا ؟ قلت : لأن الكأس مبدأ شربهم وأول غايته ، وأما العين فبها يمزجون شرابهم ، فكأن المعنى : يشرب عباد الله بها الخمر ، كما تقول : شربت الماء بالعسل . .

وقوله - سبحانه - : { يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً } صفة أخرى للعين ، أى : يسيرونها ويجرونها إلى حيث يريدون ، وينتفعون بها كما يشاؤون ، ويتبعهم ماؤها إلى كل مكان يتوجهون إليه .

فالتعبير بقوله : { يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً } إشارة إلى كثرتها وسعتها وسهولة حصولهم عليها يقال : فجَّر فلان الماء ، إذا أخرجه من الأرض بغزارة ومنه قوله - تعالى - { وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حتى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأرض يَنْبُوعاً }

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{عَيۡنٗا يَشۡرَبُ بِهَا عِبَادُ ٱللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفۡجِيرٗا} (6)

ثم يسارع السياق إلى رخاء النعيم :

( إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا . عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا ) . .

وهذه العبارة تفيد أن شراب الأبرار في الجنة ممزوج بالكافور ، يشربونه في كأس تغترف من عين تفجر لهم تفجيرا ، في كثرة ووفرة . . وقد كان العرب يمزجون كؤوس الخمر بالكافور حينا وبالزنجبيل حينا زيادة في التلذذ بها ، فهاهم أولاء يعلمون أن في الجنة شرابا طهورا ممزوجا بالكافور ، على وفر وسعة . فأما مستوى هذا الشراب فمفهوم أنه أحلى من شراب الدنيا ، وأن لذة الشعور به تتضاعف وترقى ، ونحن لا نملك في هذه الأرض أن نحدد مستوى ولا نوعا للذة المتاع هناك . فهي أوصاف للتقريب . يعلم الله أن الناس لا يملكون سواها لتصور هذا الغيب المحجوب .

والتعبير يسميهم في الآية الأولى( الأبرار )ويسميهم في الآية الثانية ( عباد الله ) . . إيناسا وتكريما وإعلانا للفضل تارة ، وللقرب من الله تارة ، في معرض النعيم والتكريم .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{عَيۡنٗا يَشۡرَبُ بِهَا عِبَادُ ٱللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفۡجِيرٗا} (6)

عينا بدل من كافورا إن جعل اسم ماء أو من محل من كأس على تقدير مضاف أي ماء عين أو خمرها أو نصب على الاختصاص أو بفعل يفسره ما بعدها يشرب بها عباد الله أي ملتذا بها أو ممزوجا بها وقيل الباء مزيدة أو بمعنى من لأن الشرب مبتدأ منها كما هو يفجرونها تفجيرا يجرونها حيث شاءوا إجراء سهلا .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{عَيۡنٗا يَشۡرَبُ بِهَا عِبَادُ ٱللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفۡجِيرٗا} (6)

وقوله تعالى : { عيناً } هو بدل من قوله { كافوراً } ، وقيل هو مفعول بقوله { يشربون } ، أي { يشربون } ماء هذه العين من كأس عطرة كالكافور ، وقيل نصب { عيناً } على المدح أو بإضمار أعني ، وقوله { يشرب بها } بمنزلة يشربها فالباء زائدة ، وقال الهذلي : شربن بماء البحر{[11501]} . أي شربن ماء البحر ، وقرأ ابن أبي عبلة : «يشربها عباد الله » ، و { عباد الله } هنا خصوص في المؤمنين الناعمين لأن جميع الخلق عباده ، و { يفجرونها } معناه يشقونها{[11502]} بعود قصب{[11503]} ونحوه حيث شاؤوا ، فهي تجري عند كل أحد منهم ، هكذا ورد الأثر ، وقال الثعلبي ، وقيل هي عين في دار النبي صلى الله عليه وسلم تفجر إلى دور الأنبياء والمؤمنين ، وهذا قول الحسن .


[11501]:هذا بداية بيت قاله أبو ذؤيب الهذلي في إحدى قصائده والبيت بتمامه: شربن بماء البحر ثم تنصبت متى لجج خضر لهن نئيج يصف الشاعر السحابات التي شربت من ماء البحر، وتنصبت: ارتفعت إلى أعلى، ويروى: ترفعت، ويروى: تصعدت، و "متى" بمعنى "من"، ولهن نئيج: لهن مر سريع، والشاهد هنا أن "شرب به" بمعنى شربه، وأن الباء زائدة، وهذا مثل قولهم: "فلان يتكلم بكلام حسن" أي: يتكلم كلاما حسنا. وقيل: إن الباء في الآية ليست زائدة، وإنما هي بمعنى "من" فالمعنى: يشرب منها، قاله القتبي.
[11502]:في بعض النسخ: "ينبعونها".
[11503]:القصب: كل نبات ذي أنابيب، والمفرد: قصبة. قال في اللسان: "وكل نبات كان ساقه أنابيب وكعوبا فهو قصب".
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{عَيۡنٗا يَشۡرَبُ بِهَا عِبَادُ ٱللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفۡجِيرٗا} (6)

وانتصب { عيناً } على البدل من { كافوراً } أي ذلك الكافور تجري به عين في الجنة من ماء محلول فيه أو من زيته مثل قوله : { وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى } [ محمد : 15 ] . وعدي فعل { يشرب } بالباء وهي باء الإِلصاق لأن الكافور يمزج به شرابهم . فالتقدير : عيْناً يشرب عباد الله خمرهم بها ، أي مصحوباً بمائها ، وذهب الأصمعي إلى أن الباء في قوله تعالى : { يشرب بها عباد الله } بمعنى ( من ) التبعيضية ووافقه الفارسي وابن قتيبة وابن مالك ، وعَدّ في كتبه ذلك من معاني الباء ونُسب إلى الكوفيين .

و { عبادُ الله } مراد بهم : الأبرار . وهو إظهار في مقام الإِضمار للتنويه بهم بإضافة عبوديتهم إلى الله تعالى إضافةَ تشريف .

والتفجير : فتح الأرض عن الماء أي استنباط الماء الغزير وأطلق هنا على الاستقاء منها بلا حدّ ولا نضوب فكان كل واحد يفجر لنفسه ينبوعاً وهذا من الاستعارة .

وأكد فعل { يفجرونها تفجيراً } ترشيحاً للاستعارة .