{ 25-28 } { وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ * وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ * وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ * وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ }
هذا بيان لكمال كرم الله تعالى وسعة جوده وتمام لطفه ، بقبول التوبة الصادرة من عباده حين يقلعون عن ذنوبهم ويندمون عليها ، ويعزمون على أن لا يعاودوها ، إذا قصدوا بذلك وجه ربهم ، فإن الله يقبلها بعد ما انعقدت سببا للهلاك ، ووقوع العقوبات الدنيوية والدينية .
{ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ } ويمحوها ، ويمحو أثرها من العيوب ، وما اقتضته من العقوبات ، ويعود التائب عنده كريما ، كأنه ما عمل سوءا قط ، ويحبه ويوفقه لما يقر به إليه .
ولما كانت التوبة من الأعمال العظيمة ، التي قد تكون كاملة بسبب تمام الإخلاص والصدق فيها ، وقد تكون ناقصة عند نقصهما ، وقد تكون فاسدة إذا كان القصد منها بلوغ غرض من الأغراض الدنيوية ، وكان محل ذلك القلب الذي لا يعلمه إلا الله ، ختم هذه الآية بقوله : { وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ }
ثم تحدثت السورة الكريمة عن دلائل الإِيمان فى الأنفس والآفاق ، وعن آثار القدرة فيما يحيط بالناس ، وفيما يتعلق بحياتهم ومعاشهم ، وفيما يتعلق بمظاهر لطفه بهم ، وفضله عليهم ، فقال - تعالى - : { وَهُوَ الذي يَقْبَلُ التوبة . . . وعلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } .
قال الجمل فى حاشيته : قوله - تعالى - : { وَهُوَ الذي يَقْبَلُ التوبة عَنْ عِبَادِهِ } قال ابن عباس : يريد أولياءه وأهل طاعته . والتوبة واجبة من كل ذنب ، فإن كان معصية بين العبد وربه فلها ثلاثة شروط ، الإِقلاع عن المعصية ، والندم على فعلها ، والعزم على عدم العودة إليها .
وإن كانت المعصية تتعلق بحق آدمى ، أضيف إلى ذلك : أن يبرأ من حق صاحبها . .
والمعنى : وهو - سبحانه - وحده الذى يقبل التوبة من عباده التائبين إليه ، شفقة عليهم ، ورحمة بهم ، بأن يكفر سيئاتهم ، ولا يعاقبهم عليها .
والقبول يعدى بعن ، لتضمنه معنى الإِبانة والقطع ، ويعدى بمن لتضمنه معنى الآخذ كما فى قوله - تعالى - : { وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بالله وَبِرَسُولِهِ } وعدى بعن هنا للإِشارة إلى تجاوزه سبحانه عن خطايا عباده .
وقوله - تعالى - { وَيَعْفُواْ عَنِ السيئات } تأكيد لما قبله وتقرير له أى : أنه عز وجل يقبل التوبة من عباده التائبين ، وفضلا عن ذلك ، يعفو عن سيئاتهم ، ويسترها عليهم ، بل ويحولها - بفضله إلى حسنات ، كما قال - تعالى - { إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فأولئك يُبَدِّلُ الله سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ } وقوله - سبحانه - { وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ } تحذير من التمادى فى تأخير التوبة ، وفى اقتراف ما نهى عنه ، فكأنه - تعالى - يقول : لقد فتحت لكم باب التوبة والعفو ، فأقبلوا على طاعتى ، واتركوا معصيتى ، فإنى عليم بما تفعلونه من خير أو شر ، وسأجازى كل إنسان بما يستحقه من ثواب أو عقاب .
و { مَا } فى قوله { وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ } موصولة ، والعائد محذوف . أى : ويعلم الذى تفعلونه دون أن يخفى عليه - تعالى - شئ منه .
هذا القسم الثاني من السورة يمضي في الحديث عن دلائل الإيمان في الأنفس والآفاق وعن آثار القدرة فيما يحيط بالناس ، وفيما يتعلق مباشرة بحياتهم ومعاشهم ، وفي صفة المؤمنين التي تميز جماعتهم . . وذلك بعد الحديث في القسم الأول عن الوحي والرسالة من جوانبها المتعددة . . ثم يعود في نهاية السورة إلى الحديث عن طبيعة الوحي وطريقته . وبين القسمين اتصال ظاهر ، فهما طريقان إلى القلب البشري ، يصلانه بالوحي والإيمان .
( وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ، ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون . ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله ، والكافرون لهم عذاب شديد . ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض . ولكن ينزل بقدر ما يشاء ، إنه بعباده خبير بصير ) . .
تجيء هذه اللمسة بعد ما سبق من مشهد الظالمين مشفقين مما كسبوا وهو واقع بهم ، ومشهد الذين آمنوا في روضات الجنات . ونفي كل شبهة عن صدق رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] فيما بلغهم به عن الله . وتقرير علم الله بذوات الصدور .
تجيء لترغيب من يريد التوبة والرجوع عما هو فيه من ضلالة ، قبل أن يقضى في الأمر القضاء الأخير . ويفتح لهم الباب على مصراعيه : فالله يقبل عنهم التوبة ، ويعفو عن السيئات ؛ فلا داعي للقنوط واللجاج في المعصية ، والخوف مما أسلفوا من ذنوب . والله يعلم ما يفعلون . فهو يعلم التوبة الصادقة ويقبلها . كما يعلم ما اسلفوا من السيئات ويغفرها .
{ وهو الذي يقبل التوبة عن عباده } بالتجاوز عما تابوا عنه ، والقبول يعدى إلى مفعول ثان بمن وعن لتضمنه معنى الأخذ والإبانة ، وقد عرفت حقيقة التوبة . وعن علي رضي الله تعالى عنه : هي اسم يقع على ستة معان : على الماضي من الذنوب الندامة ، ولتضييع الفرائض الإعادة ، ورد المظالم وإذابة النفس في الطاعة كما ربيتها في المعصية وإذاقتها مرارة الطاعة كما أذقتها حلاوة المعصية ، والبكاء بدل كل ضحك ضحكته . { ويعفوا عن السيئات } صغيرها وكبيرها لمن يشاء . { ويعلم ما يفعلون } فيجازي ويتجاوز عن إتقان وحكمة ، وقرأ الكوفيون غير أبي بكر " ما تفعلون " بالتاء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.