{ 43 - 45 } { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ * مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ * لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ }
أي : أقبل بقلبك وتوجه بوجهك واسع ببدنك لإقامة الدين القيم المستقيم ، فنفذ أوامره ونواهيه بجد واجتهاد وقم بوظائفه الظاهرة والباطنة . وبادر زمانك وحياتك وشبابك ، { مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ } وهو يوم القيامة الذي إذا جاء لا يمكن رده ولا يرجأ العاملون أن يستأنفوا{[654]} العمل بل فرغ من الأعمال لم يبق إلا جزاء العمال . { يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ } أي : يتفرقون عن ذلك اليوم ويصدرون أشتاتا متفاوتين لِيُرَوْا أعمالهم .
ثم أكد - سبحانه ما سبق أن أمر به رسوله صلى الله عليه وسلم من ثبات على الحق فقال : { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينَ القيم . . . } أى : إذا كان الأمر كما ذكرت لك - أيها الرسول الكريم - من سوء عاقبة الأشرار ، وحسن عاقبة الأخيار . فاثبت على هذا الدين القويم ، الذى أوحيناه إليك ، ولا تتحول عن إلى جهة ما .
{ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ مَرَدَّ لَهُ مِنَ الله } أى : اثبت على هذا الدين القيم ، من قبل أن يأتى يوم القيامة ، الذى لا يقدر أحد على ردِّه أو دفع عذابه إلا الله - تعالى وحده .
ثم بين - سبحانه - أحوال الناس فى هذا اليوم فقال : { يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ } .
أى : يتفرقون . وأصله يتصدعون ، فقلبت تاؤه صاداً وأدغمت ، والتصدع التفرق : يقال : تصدع القوم إذا تفرقوا ، ومنه قول الشاعر :
وكنا كندْمانَىْ جَذِيمةَ حقبة . . . من الدهر حتى قيل لن يتصدعا
والمعنى : اثبت على هذا الدين ، من قبل أن يأتي يوم القيامة ، الذى يتفرق فيه الناس إلى فريقين .
وعند هذا المقطع يشير إلى الطريق الآخر الذي لا يضل سالكوه ، وإلى الأفق الآخر الذي لا يخيب قاصدوه . .
( فأقم وجهك للدين القيم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله . يومئذ يصدعون . من كفر فعليه كفره ؛ ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون . ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات من فضله . إنه لا يحب الكافرين ) .
والصورة التي يعبر بها عن الاتجاه إلى الدين القيم صورة موحية معبرة عن كمال الاتجاه ، وجديته ، واستقامته :
( فأقم وجهك للدين القيم ) . . وفيها الاهتمام والانتباه والتطلع ، واستشراف الوجهة السامية والأفق العالي والاتجاه السديد .
يقول تعالى آمرًا عباده بالمبادرة إلى الاستقامة في طاعته ، والمبادرة إلى الخيرات : { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ } أي : يوم القيامة ، إذا أراد كونه فلا رادَّ له ، { يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ } أي : يتفرقون ، ففريق في الجنة وفريق في السعير ؛ ولهذا قال : { مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلأنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ فَضْلِهِ }
تفرع على الإنذار والتحذير من عواقب الشرك تثبيتُ الرسول صلى الله عليه وسلم على شريعته ، ووعد بأن يأتيه النصر كقوله { واعبد ربك حتى يأتيَك اليقين } [ الحجر : 99 ] ، مع التعريض بالإرشاد إلى الخلاص من الشرك باتباع الدّين القيّم ، أي الحق . وهذا تأكيد للأمر بإقامة الوجه للدين في قوله { فأقم وجهك للدّين حنيفاً } [ الروم : 30 ] ، فإن ذلك لما فُرع على قوله { أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم } [ الروم : 9 ] ، وما اتصل من تسلسل الحجج والمواعظ فُرع أيضاً نظيره هذا على قوله { قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل } [ الروم : 42 ] وقد تقدم الكلام على نظير قوله { فأقم وجهك للدّين } وعلى معنى إقامة الوجه عند قوله { فأقم وجهك للدين حنيفاً } [ الروم : 30 ] .
و { القيّم } بوزن فَيْعل ، وهي زنة تدل على قوة ما تصَاغ منه ، أي : الشديد القيام ، والقيام هنا مجاز في الإصابة لأن الصواب يشبَّه بالقيام ، وضده يشبه بالعِوج ، وقد جمعهما قوله تعالى { ولم يجعل له عِوَجاً قيِّماً } [ الكهف : 1 ، 2 ] فوصف الإسلام في الآية السابقة بالحنيف والفطرة ووصف هنا بالقيّم . وبين { أقم } و { القيم } محسن الجناس .
والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم بهذا الأمر إعراضٌ عن صريح خطاب المشركين . والمقصود التعريض بأنهم حَرموا أنفسهم من اتباع هذا الدين العظيم الذي فيه النجاة . يؤخذ هذا التعريض من أمر النبي عليه الصلاة والسلام بالدوام على الإسلام ومن قوله عقب ذلك { يومئذ يصَّدَّعون } الآية .
والمردّ : مصدر ميمي من الردّ وهو الدفع ، و { له } يتعلق به ، و { من الله } متعلق ب { يأتي } و { من } ابتدائية . والمراد ( باليوم ) يوم عذاب في الدنيا وأنه إذا جاء لا يردّه عن المجازَيْن به رادّ لأنه آت من الله . والظاهر أن المراد به يوم بدر .
و { يصدعون } أصله يَتصَدَّعون فقلبت التاء صاداً لتقارب مخرجيهما لتأتي التخفيف بالإدغام . والتصدع : مطاوع الصدع ، وحقيقة الصدع : الكسر والشق ، ومنه تصدع القدح .
والمراد باليوم : يوم الحشر . والتصدع : التفرق والتمايز . ويكون ضمير الجمع عائداً إلى جميع الناس ، أي يومئذ يفترق المؤمنون من الكافرين على نحو قوله تعالى { ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرّقون فأما الذين ءامنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يُحْبَرون وأما الذين كفروا وكذبوا بآياتنا ولقاء الآمرة فأولئك في العذاب محضرون } [ الروم : 14 16 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.