فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{فَأَقِمۡ وَجۡهَكَ لِلدِّينِ ٱلۡقَيِّمِ مِن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَ يَوۡمٞ لَّا مَرَدَّ لَهُۥ مِنَ ٱللَّهِۖ يَوۡمَئِذٖ يَصَّدَّعُونَ} (43)

{ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ ( 43 ) مَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ ( 44 ) لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِن فَضْلِهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ( 45 ) وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ( 46 ) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاؤُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ( 47 ) }

{ فأقم وجهك للدين حنيفا } خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ، وأمته أسوته فيه ، كأن المعنى : إذا قد ظهر الفساد بالسبب المتقدم فأقم { وجهك } يا محمد { للدين القيم } قال الزجاج : اجعل جهتك إتباع الدين القيم البليغ الاستقامة ، الذي لا يتأتى فيه عوج وهو الإسلام . وقيل : المعنى أوضح الحق وبالغ في الأعذار ، واشتغل بما أنت فيه ولا تحزن عليهم . قاله القرطبي .

{ من قبل أن يأتي يوم } يعني يوم القيامة { لا مرد له من الله } المرد مصدر ، رد ، أي لا يقدر على أن يرده كقوله : لا يستطيعون ردها فلا بد من وقوعه ، وقيل : المعنى لا يرده الله لتعلق إرادته القديمة بمجيئه ، قاله أبو السعود { يومئذ } أي : يوم إذ يأتي هذا اليوم .

{ يصدعون } أصله يتصدعون ، والتصدع : التفرق ، يقال : تصدع القوم ، إذا تفرقوا ، ومنه قول الشاعر{[1362]} :

وكنا كندماني حذيمة حقبة *** من الدهر حتى قيل لن يتصدعا

وفي المصباح : صدعته صدعا من باب نفع ؛ شققته فانصدع . وصدعت القوم صدعا فتصدعوا . أي : فرقتهم فتفرقوا ، وقوله : فاصدع بما تؤمر ، قيل : مأخوذ من هذا ، أي : شق جماعاتهم بالتوحيد ، وقيل : افرق بذلك بين الحق والباطل . وقيل : أظهر ذلك ، وصدعت بالحق . تكلمت به جهارا ، وصدعت الفلاة ، قطعتها ، والمراد بتفرقهم أن أهل الجنة يصيرون إلى الجنة ، وأهل النار إلى النار ، ثم فصل سبحانه المتصدعين بقوله :


[1362]:الشاعر هو متمم بن نويرة يرثي أخاه مالكا الذي قتل في حروب الردة والبيت يليه: فلما تفرقنا كأني ومالكا لطول اجتماع لم نبت ليلة معا. المطيعي.