{ وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ } أي : وإن هذا القرآن الذي ينزل عليك وتتلقفه وتتلقنه ينزل من عند { حَكِيمٍ } يضع الأشياء مواضعها ، وينزلها منازلها . { عَلِيمٍ } بأسرار الأمور{[587]} وبواطنها ، كظواهرها . وإذا كان من عند { حَكِيمٍ عَلِيمٍ } {[588]} علم أنه كله حكمة ومصالح للعباد ، من الذي [ هو ] أعلم بمصالحهم منهم ؟
وقوله - تعالى - : { وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى القرآن مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ } كلام مستأنف سيق بعد بيان بعض صفات القرآن الكريم ، تمهيداً لما سيأتى بعد ذلك من قصص وآداب وأحكام وهدايات .
وقوله { لَتُلَقَّى } من التلقى بمعنى الأخذ عن الغير ، والمراد به جبريل - عليه السلام - .
أى : وإنك - أيها الرسول الكريم - لتتلقى القرآن الكريم بواسطة جبريل - عليه السلام - من لدن ربك الذى يفعل كل شىء بحكمة ليس بعدها حكمة ، ويدبر كل أمر بعلم شامل لكل شىء .
وصدرت هذه الآية الكريمة بحرفى التأكيد - وهما إن ولام القسم - للدلالة على كمال العناية بمضمونه .
والتعبير بقوله { لَتُلَقَّى } يشعر بمباشرة الأخذ عن جبريل - عليه السلام - بأمر الله - تعالى - الحكيم العليم ، كما يشعر بقوته وشدته ، كما فى قوله - سبحانه - : { إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً } وجاء الأسلوب بالبناء للمفعول فى قوله : " تلقى " وحذف الفاعل وهو جبريل للتصريح به فى آيات أخرى منها قوله - تعالى - { نَزَلَ بِهِ الروح الأمين على قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ المنذرين } وجمع - سبحانه - فى وصفه لذاته بين الحكمة والعلم ، للدلالة على أن هذا القرآن تتجلى فيه كل صفات الإتقان والإحكام ، لأن كلام الحكيم فى أفعاله ، العليم بكل شىء .
وتنتهي مقدمة السورة بإثبات المصدر الإلهي الذي يتنزل منه هذا القرآن على رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : ( وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم ) . .
ولفظ( تلقى )يلقي ظل الهدية المباشرة السنية من لدن حكيم عليم . يصنع كل شيء بحكمة ، ويدبر كل أمر بعلم . . وتتجلى حكمته وعلمه في هذا القرآن . في منهجه ، وتكاليفه ، وتوجيهاته ، وطريقته . وفي تنزيله في إبانه . وفي توالي أجزائه . وتناسق موضوعاته .
ثم يأخذ في القصص . وهو معرض لحكمة الله وعلمه وتدبيره الخفي اللطيف .
وقوله : { وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ } أي : { وَإِنَّكَ } يا محمد - قال قتادة : { لَتُلَقَّى } أي : لتأخذ . { الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ } أي : من عند حكيم عليم ، أي : حكيم في أوامره ونواهيه ، عليم بالأمور جليلها وحقيرها ، فخبره هو الصدق المحض ، وحكمه هو العدل التام ، كما قال تعالى : { وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلا [ لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ ] } {[21959]} [ الأنعام : 115 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.