مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى ٱلۡقُرۡءَانَ مِن لَّدُنۡ حَكِيمٍ عَلِيمٍ} (6)

قوله تعالى : { وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم إذ قال موسى لأهله إني آنست نارا سآتيكم منها بخبر أو آتيكم بشهاب قبس لعلكم تصطلون فلما جاءها نودي أن بورك من في النار ومن حولها وسبحان الله رب العالمين يا موسى إنه أنا الله العزيز الحكيم } .

أما قوله : { وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم } فمعناه لتؤتاه وتلقاه من عند أي حكيم وأي عليم ، وهذا معنى مجيئهما نكرتين وهذه الآية بساط وتمهيد لما يريد أن يسوق بعدها من الأقاصيص ، وإذ منصوب بمضمر وهو اذكر ، كأنه قال على أثر ذلك خذ من آثار حكمته وعلمه قصة موسى ، ويجوز أن ينتصب بعليم فإن قيل الحكمة إما أن تكون نفس العلم ، والعلم إما أن يكون داخلا فيها ، فلما ذكر الحكمة فلم ذكر العلم ؟ جوابه : الحكمة هي العلم بالأمور العملية فقط والعلم أعم منه ، لأن العلم قد يكون عمليا وقد يكون نظريا والعلوم النظرية أشرف من العلوم العملية ، فذكر الحكمة المشتملة على العلوم العملية ، ثم ذكر العليم وهو البالغ في كمال العلم وكمال العلم يحصل من جهات ثلاثة وحدته وعموم تعلقه بكل المعلومات وبقاؤه مصونا عن كل التغيرات ، وما حصلت هذه الكمالات الثلاثة إلا في علمه سبحانه وتعالى .