{ ولَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ } أي : وهلا إذ سمعتم -أيها المؤمنون- كلام أهل الإفك { قُلْتُمْ } منكرين لذلك ، معظمين لأمره : { مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا } أي : ما ينبغي لنا ، وما يليق بنا الكلام ، بهذا الإفك المبين ، لأن المؤمن يمنعه إيمانه من ارتكاب القبائح { هَذَا بُهْتَانٌ } أي : كذب عظيم .
ثم يوجههم - سبحانه - مرة أخرى إلى ما كان يجب عليهم أن يفعلوه فى مثل هذه الأحوال فيقول : { ولولا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَّا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّتَكَلَّمَ بهذا سُبْحَانَكَ هذا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ } .
وأصل معنى " سبحانك " تنزيه الله - تعالى - عن كل نقص . ثم شاع استعماله فى كل أمر بتعجب منه . وهذا المعنى هو المراد هنا .
والبهتان : هو الكذب الذى يبهت ويحير سامعه لشناعته وفظاعته ، يقال : بهت فلان فلانا إذا قال عليه مالم يقله وما لم يفعله .
أى : وهلا وقت أن سمعتم - أيها المؤمنون - حديث الإفك ممن افتراه واخترعه ، قلتم له على سبيل الزجر والردع والإفحام : ما يكون لنا أن نتكلم بهذا . أى : ما يصح منا إطلاقا أن نتكلم بهذا الحديث البالغ أقصى الدركات فى الكذب والافتراء .
وقلتم له أيضا - على سبيل التعجب من شناعة هذا الخبر : " سبحانك " ، أى : نتعجب يا ربنا من شناعة ما سمعناه ، فإن ما سمعناه عن أم المؤمنين عائشة كذب يبهت ويدهش من يسمعه ، وهو فى الشناعة لا تحيط بوصفه عبارة .
وهكذا يؤدب الله - تعالى - عباده المؤمنين بالأدب السامى ، حيث يأمرهم فى مثل هذه الأحوال ، أن ينزهوا أسماعهم عن مجرد الاستماع إلى ما يسىء إلى المؤمنين ، وأن يتحرجوا من مجرد النطق بمثل حديث الإفك ، وأن يستنكروا ذلك على من يتلفظ به .
ولقد كان ينبغي أن تجفل القلوب من مجرد سماعه ، وأن تتحرج من مجرد النطق به ، وأن تنكر أن يكون هذا موضوعا للحديث ؛ وأن تتوجه إلى الله تنزهه عن أن يدع نبيه لمثل هذا ؛ وأن تقذف بهذا الإفك بعيدا عن ذلك الجو الطاهر الكريم :
( ولولا إذ سمعتموه قلتم : ما يكون لنا أن نتكلم بهذا . سبحانك ! هذا بهتان عظيم ) . .
هذا تأديب آخر بعد الأول : الآمر بالظن خيرا أي : إذا ذكر ما لا يليق من القول في شأن الخيرة{[20927]} فأولى ينبغي الظن بهم خيرا ، وألا يشعر نفسه سوى ذلك ، ثم إن عَلِق بنفسه شيء من ذلك - وسوسةً أو خيالا - فلا ينبغي أن يتكلم به ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله تجاوز لأمتي عما حدَّثت به أنفسها{[20928]} ما لم تقل أو تعمل " أخرجاه في الصحيحين{[20929]} .
وقال الله تعالى : { وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا } أي : ما ينبغي لنا أن نتفوه بهذا الكلام ولا نذكره لأحد { سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ } أي : سبحان الله أن يقال هذا الكلام على{[20930]} زوجة [ نبيه و ]{[20931]} رسوله وحليلة خليله .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَوْلآ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مّا يَكُونُ لَنَآ أَن نّتَكَلّمَ بِهََذَا سُبْحَانَكَ هََذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ } .
يقول تعالى ذكره : فَلَوْلا أيها الخائضون في الإفك الذي جاءت به عصبة منكم ، إذْ سَمِعْتُمُوهُ ممن جاء به ، قلتُمْ ما يحلّ لنا أن نتكلم بهذا ، وما ينبغي لنا أن نتفوّه به سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتانٌ عَظِيمٌ ، تنزيها لك يا ربّ وبراءة إليك مما جاء به هؤلاء هَذَا بُهْتانٌ عَظِيمٌ يقول : هذا القول بهتان عظيم .
{ ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا } ما ينبغي وما يصح لنا . { أن نتكلم بهذا } يجوز أن تكون الإشارة إلى القول المخصوص وأن تكون إلى نوعه ، فإن قذف آحاد الناس محرم شرعا فضلا عن تعرض الصديقة ابنة الصديق حرمة رسول الله صلى الله عليه وسلم . { سبحانك } تعجب من ذلك الإفك أو ممن يقول ذلك ، وأصله أن يذكر عند كل متعجب ، أو تنزيها لله تعالى من أن يصعب عليه مثله ثم كثر فاستعمل لك متعجب ، أو تنزيه لله تعالى من أن تكون حرمة نبيه فاجرة فإن فجورها ينفر عنه ويخل بمقصود الزواج بخلاف كفرها فيكون تقريرا لما قبله وتمهيدا لقوله : { هذا بهتان عظيم } لعظمة المبهوت عليه فإن حقارة الذنوب وعظمها باعتبار متعلقاتها .
وقوله تعالى : { ولولا إذ سمعتموه } إلى { حكيم } ، عتاب لجميع المؤمنين أي كان ينبغي عليكم أن تنكروه ولا يتعاطاه بعضكم من بعض على جهة الحكاية والنقل وأن تنزهوا الله تعالى عن أن يقع هذا من زوج نبيه عليه السلام وأن تحكموا على هذه المقالة بأنها { بهتان } ، وحقيقة البهتان أَن يقال في الإنسان ما ليس فيه والغيبة أن يقال في الإنسان ما فيه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.