{ 62 - 64 ْ } { أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ْ }
يخبر تعالى عن أوليائه وأحبائه ، ويذكر أعمالهم وأوصافهم ، وثوابهم فقال : { أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ْ } فيما يستقبلونه مما أمامهم من المخاوف والأهوال .
{ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ْ } على ما أسلفوا ، لأنهم لم يسلفوا إلا صالح الأعمال ، وإذا كانوا لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، ثبت لهم الأمن والسعادة ، والخير الكثير الذي لا يعلمه إلا الله تعالى .
بعد كل ذلك ، بشر أولياءه بحسن العاقبة ، وأنذر أعداءه بسوء المصير ، ورد على الذين قالوا اتخذ الله ولداً بما يكبتهم ويخرس ألسنتهم فقال - تعالى - :
{ ألا إِنَّ أَوْلِيَآءَ . . . } .
الأولياء : جمع ولي مأخوذ من الولي بمعنى القرب والدنو ، يقال : تباعد فلان من عبد ولي أى : بعد قرب .
والمراد بهم : أولئك المؤمنون الصادقون الذي صلحت أعمالهم ، وحسنت بالله - تعالى - صلتهم ، فصاروا يقولون ويفعلون كل ما يحبه ، ويجتنبون كل ما يكرهه .
قال الفخر الرازي : " ظهر في علم الاشتقاق أن تركيب الواو واللام والياء يدل على معنى القرب ، فولى كل شيء هو الذي يكون قريبا منه .
والقرب من الله إنما يتم إذا كان القلب مستغرقاً في نور معرفته ، فإن رأى رأى دلائل قدرته ، وإن سمع سمع آيات وحدانيته ، وإن نطق نطق بالثناء عليه ، وِإن تحرك تحرك في خدمته ، وإن اجتهد اجتهد في طاعته ، فهنالك يكون في غاية القرب من الله - تعالى - ويكون وليا له - سبحانه - .
وإذا كان كذلك كان الله - وليا له - أيضاً - كما قال : { الله وَلِيُّ الذين آمَنُواْ يُخْرِجُهُمْ مِّنَ الظلمات إِلَى النور } وقد افتتحت الآية الكريمة بأداة الاستفتاح { ألا } وبحرف التوكيد { إن } لتنبيه الناس إلى وجوب الاقتداء بهم ، حتى ينالوا ما ناله أولئك الأولياء الصالحون من سعادة دنيوية وأخروية .
وقوله : { لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } تمييز لهم عن غيرهم ممن لم يبلغوا درجتهم .
والخوف : حالة نفسية تجعل الإِنسان مضطرب المشاعر لتوقعه حصلو ما يكرهه .
والحزن اكتئاب نفسي يحدث للإِنسان من أجل وقوع ما يكرهه .
أى : أن الخوف يكون من أجل مكروه يتوقع حصوله ، بينما الحزن يكون من أجل مكروه قد وقع فعلاً .
والمعنى : ألا إن أولياء الله الذين صدق إيمانهم ، وحسن عملهم ، لا خوف علهيم من أهوال الموقف وعذاب الآخرة ، ولا هم يحزنون على ما تركوا وراءهم من الدنيا ، لأن مقصدهم الأسمى رضا الله - سبحانه - فمتى فعلوا ما يؤدي إلى ذلك هان كل ما سواه .
وفي ظل هذا الأنس ، وفي طمأنينة هذا القرب . . يأتي الإعلان الجاهر :
( ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون . الذين آمنوا وكانوا يتقون . لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة . لا تبديل لكلمات الله . ذلك هو الفوز العظيم )
وكيف يخاف أولياء الله أو يحزنون والله معهم هكذا في كل شأن وفي كل عمل وفي كل حركة أو سكون ? وهم أولياء الله ، المؤمنون به الأتقياء المراقبون له في السر والعلن :
يخبر تعالى أن أولياءه هم الذين آمنوا وكانوا يتقون ، كما فسرهم{[14293]} ربهم ، فكل من كان تقيا كان لله وليا : أنه { لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ } [ أي ]{[14294]} فيما يستقبلون من أهوال القيامة ، { وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ } على ما وراءهم في الدنيا .
وقال عبد الله بن مسعود ، وابن عباس ، وغير واحد من السلف : أولياء الله الذين إذا رءوا ذُكِر الله .
وقد ورد هذا في حديث مرفوع كما قال البزار :
حدثنا علي بن حَرْب الرازي ، حدثنا محمد بن سعيد بن سابق ، حدثنا يعقوب بن عبد الله الأشعري - وهو القمي - عن جعفر بن أبي المغيرة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : قال رجل : يا رسول الله ، مَنْ أولياء الله ؟ قال : " الذين إذا رءُوا ذُكر الله " . ثم قال البزار : وقد روي عن سعيد مرسلا{[14295]} . وقال ابن جرير : حدثنا أبو هشام الرِّفاعي ، حدثنا ابن فضيل{[14296]} حدثنا أبي ، عن عمارة بن القعقاع ، عن أبي زُرْعَة بن عمرو بن جرير البَجَلي ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن من عباد الله عبادا يغبطهم{[14297]} الأنبياء والشهداء " . قيل : من هم يا رسول الله ؟ لعلنا نحبهم . قال : " هم قوم تحابوا{[14298]} في الله من غير أموال ولا أنساب ، وجوههم نور على منابر من نور ، لا يخافون إذا خاف الناس ، ولا يحزنون إذا حزن الناس " . ثم قرأ : { أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ }{[14299]} ثم رواه أيضا أبو داود ، من حديث جرير ، عن عمارة بن القعقاع ، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير ، عن عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، بمثله{[14300]} .
وهذا أيضا إسناد جيد ، إلا أنه منقطع بين أبي زرعة وعمر بن الخطاب ، والله أعلم .
وفي حديث الإمام أحمد ، عن أبي النضر ، عن عبد الحميد بن بَهْرَام ، عن شَهْر بن حَوْشَب ، عن عبد الرحمن بن غَنْم ، عن أبي مالك الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يأتي من أفناء الناس ونوازع القبائل قوم لم تتصل{[14301]} بينهم أرحام متقاربة ، تحابوا في الله ، وتصافوا في الله ، يضع الله لهم يوم القيامة منابر من نور ، فيجلسهم عليها ، يفزع الناس ولا يفزعون ، وهم أولياء الله ، الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون " . والحديث متطول . {[14302]}-{[14303]}
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.