اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{أَلَآ إِنَّ أَوۡلِيَآءَ ٱللَّهِ لَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ} (62)

قوله : { ألا إِنَّ أَوْلِيَآءَ الله } الآية .

اختلفوا فيمن يستحقُّ هذا الاسم .

فقال بعضهم : هم الذين ذكرهم اللهُ في كتابه ، بقوله { الذين آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ } .

وقال قوم : هم المتحابُّون في الله ، لما روى أبو مالك الأشعري ، قال : كنتُ عند النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال : " إنَّ للهِ عباداً ليْسُوا بأنبياء ولا شهداء ، يغبطُهُم النبيون والشُّهداء بقربهم ومقعدهم من الله يوم القيامةِ " ، قال : وفي ناحية المسجدِ أعرابي ، فجثا على ركبتيه ، ورمى بيديه ، ثم قال : حدِّثنا يا رسول الله عنهم ، قال : فرأيتُ في وجهِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم البشر ؛ فقال : " هُم عبادٌ من عبادِ اللهِ ، من بلدانٍ شتَّى ، وقبائل شتَّى لَمْ يكُنْ بينهُمْ أرحامٌ يتواصلون بها ، ولا دُنْيَا يتباذلُون بها ، يتحابُّون برُوحِ اللهِ ، يجعل الله وجُوههُم نُوراً ، ويجعل لهم منابر من لؤلؤٍ قدَّام الرحمن ، يفزع الناسُ ولا يفزعُون ، ويخافُ النَّاسُ ولا يخافُون " {[18517]} .

قال أبو بكر الأصم : أولياء الله : هم الذين تولَّى الله هدايتهم بالبرهان وتولَّوُا القيامَ بحق العُبُوديَّةِ لله ، والدَّعوة إليه .

واعلم : أنَّ تركيب الواو ، واللاَّم ، والياءِ يدل على معنى القرب ، فوليُّ كلِّ شيء هو الذي كون قريباً منه ، والقُرْب من الله - تعالى - بالمكان والجهة محالٌ ؛ فالقرب منه إنَّما يكونُ ، إذا كان القلبُ مُسْتَغْرقاً في نُور معرفة الله - تعالى - ، فإنْ رأى ، رأى دلائلَ قُدْرَةِ الله ، وإن سمع ، سمع آيات الله ، وإن نطقَ ، نطقَ بالثناء على الله ، وإن تحرَّك ، تحرَّك في خدمة الله ، وإن اجتهد ، اجتهد في طاعةِ الله ، فهنالك يكون في غاية القرب من الله ؛ فحينئذ يكون وليّاً .


[18517]:أخرجه أحمد (5/231، 343)، والطبراني في "الكير" (3/329) والبغوي في شرح السنة (6/456) وابن المبارك في "الزهد" (248) من طريق شهر بن حوشب عن أبي مالك الأشعري. وذكره الهيثمي في "المجمع" (10/279) وقال: رواه أحمد والطبراني بنحوه ورجاله وثقوا.