{ وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ } ، أي : لا تحرموا وتحللوا من تلقاء أنفسكم ، كذبا وافتراء على الله وتقولا عليه .
{ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ } ، لا في الدنيا ولا في الآخرة ، ولا بد أن يظهر الله خزيهم وإن تمتعوا في الدنيا فإنه { مَتَاعٌ قَلِيلٌ } ، ومصيرهم إلى النار ، { وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } ، فالله تعالى ما حرم علينا إلا الخبيثات تفضلا منه ، وصيانة عن كل مستقذر .
ثم نهى - سبحانه - عن القول على الله - تعالى - بغير علم اتباعا للظن والأوهام ، فقال : { وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الكذب هذا حَلاَلٌ وهذا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ على الله الكذب إِنَّ الذين يَفْتَرُونَ على الله الكذب لاَ يُفْلِحُونَ . . . } .
قال الآلوسي ما ملخصه : قوله : { وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الكذب . . } ، " ما " موصولة ، والعائد محذوف ، أي : ولا تقولوا - في شأن الذي تصفه ألسنتكم من البهائم بالحل والحرمة - هذا حلال وهذا حرام ، من غير ترتب ذلك الوصف على ملاحظة وفكر ، فضلا عن استناده إلى وحي أو قياس مبني عليه ، بل مجرد قول باللسان .
ولفظ " الكذب " ، منتصب على أنه مفعول به ل { تقولوا } ، وقوله - سبحانه - : { هذا حَلاَلٌ وهذا حَرَامٌ } ، بدل منه . . .
والمعنى : ولا تقولوا - أيها الجاهلون - للشيء الكذب الذي تصفه ألسنتكم ، وتحكيه وتنطق به بدون بينة أو برهان . هذا الشيء حلال وهذا الشيء حرام .
وقد حكى الله - تعالى - عن هؤلاء الجاهلين في آيات كثيرة ، أنهم حللوا وحرموا أشياء من عند أنفسهم ومن ذلك قوله - تعالى - : { وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هذه الأنعام خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ على أَزْوَاجِنَا . . } ، وقوله - سبحانه - : { قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَّآ أَنزَلَ الله لَكُمْ مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِّنْهُ حَرَاماً وَحَلاَلاً قُلْ ءَآللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى الله تَفْتَرُونَ } ، قال صاحب الكشاف : فإن قلت : ما معنى وصف ألسنتهم الكذب ؟ قلت : هو من فصيح الكلام وبليغه ، جعل قولهم كأنه عين الكذب ومحضه . فإذا نطقت به ألسنتهم فقد حلت الكذب بحليته ، وصورته بصورته ، كقولهم : وجهها يصف الجمال ، وعينها تصف السحر . . .
وقال بعض العلماء ما ملخصه : ويصح أن يكون لفظ الكذب مفعولا ل " تصف " ، وأن يكون قوله : { هذا حَلاَلٌ وهذا حَرَامٌ } ، مفعولا ل " تقولوا " .
وعلى هذا الوجه يكون في وصف ألسنتهم الكذب ، مبالغة في وصف كلامهم بالكذب ، حتى لكأن ماهية الكذب كانت مجهولة ، فكشفت عنها ألسنتهم ووضحتها ووصفتها ونعتتها بالنعوت التي جلتها . . ومنه قول الشاعر :
أضحت يمينُك من جُودٍ مصوَّرةً . . . لا ، بل يمينك منها صُوِّرَ الجودُ
واللام في قوله : { لِّتَفْتَرُواْ على الله الكذب } ، هي لام الصيرورة والعاقبة ، أو هي - كما يقول صاحب الكشاف - من التعليل الذي لا يتضمن معنى الغرض ؛ لأن ما صدر عنهم من تحليل وتحريم دون أن يأذن به الله ، ليس الغرض منه افتراء الكذب فحسب ، بل هناك أغراض أخرى ، كظهورهم بمظهر أولي العلم ، وكحبهم للتباهي والتفاخر . .
وقوله : { تفتروا } ، من الافتراء ، وهو أشنع أنواع الكذب ؛ لأنه اختلاق للكذب الذي لايستند إلى شيء من الواقع .
أي : ولا تقولوا لما تحكيه ألسنتكم من أقوال وأحكام لا صحة لها ، هذا حلال وهذا حرام ، لتنسبوا ذلك إلى الله - تعالى - كذبا وزورا .
قال الإِمام ابن كثير : ويدخل في الآية كل من ابتدع بدعة ، ليس له فيها مستند شرعي ، أو حلل شيئا مما حرم الله أو حرم شيئا مما أباح الله ، بمجرد رأيه وتشهيه .
ذلك حد الحلال والحرام الذي شرعه الله في المطعومات ، فلا تخالفوه اتباعا لأوهام الوثنية ، ولا تكذبوا فتدعوا تحريم ما أحله الله . فالتحريم والتحليل لا يكونان إلا بأمر من الله . فهما تشريع . والتشريع لله وحده لا لأحد من البشر . وما يدعي أحد لنفسه حق التشريع بدون أمر من الله إلا مفتر ، والمفترون على الله لا يفلحون :
( ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب : هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب ، إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون . متاع قليل ولهم عذاب أليم ) . .
لا تقولوا للكذب الذي تصفه ألسنتكم وتحكيه : هذا حلال وهذا حرام . فهذا حلال وهذا حرام حين تقولونها بلا نص هي الكذب عينه ، الذي تفترونه على الله .
ثم نهى تعالى عن سلوك سبيل المشركين ، الذين حللوا وحرموا بمجرد ما وضعوه واصطلحوا عليه من الأسماء بآرائهم ، من البَحيرة والسائبة والوصيلة والحام ، وغير ذلك مما كان شرعا لهم ابتدعوه في جاهليتهم ، فقال : { وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ } ، ويدخل في هذا كل من ابتدع بدعة ليس [ له ]{[16728]} فيها مستند شرعي ، أو حلل شيئا مما حرم الله ، أو حرم شيئا مما أباح الله ، بمجرد رأيه وتشهِّيه .
و " ما " في قوله : { لِمَا } مصدرية ، أي : ولا تقولوا الكذب لوصف ألسنتكم .
ثم توعد على ذلك فقال : { إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ } ، أي : في الدنيا ولا في الآخرة . أما في الدنيا فمتاع{[16729]} قليل ، وأما في الآخرة فلهم عذاب أليم ، كما قال : { نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ } [ لقمان : 24 ] .
وقال : { إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ } [ يونس : 69 ، 70 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.