ولما حصر تعالى المحرمات في هذه الأربع ، بالغ في تأكيد ذلك الحصر وزيف طريقة الكفار ، وفي الزيادة على هذه الأربعة تارة وفي النقصان عنها أخرى بقوله تعالى : { ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام } ، لما لم يحله الله ولم يحرمه ، فإنهم كانوا يحرّمون البحيرة والسائبة والوصيلة والحام ، وكانوا يقولون : { ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرّم على أزواجنا } [ الأنعام ، 139 ] ، فقد زادوا في المحرمات ، وزادوا أيضاً في المحللات ؛ لأنهم حللوا الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله ، فبيّن تعالى أنّ المحرمات هي هذه الأربعة ، وبين أن الأشياء التي يقولون هذا حلال وهذا حرام كذب وافتراء على الله تعالى .
تنبيه : في انتصاب الكذب وجهان ؛ أحدهما : قال الكسائي : ما مصدرية ، والتقدير : ولا تقولوا لأجل وصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام ، نظيره أن يقال : لا تقولوا لكذا وكذا كذا وكذا . فإن قيل : حمل الآية على هذا يؤدّي إلى التكرار ؛ لأنّ قوله تعالى : { لتفتروا على الله الكذب } ، عين ذلك ؟ أجيب : بأنّ قوله تعالى : { لما تصف ألسنتكم الكذب } ، ليس فيه بيان أنه كذب على الله ، فأعاده ليحصل فيه هذا البيان الزائد . ونظيره في القرآن كثير ، وهو أنه تعالى يذكر كلاماً ويعيده بعينه مع فائدة زائدة . الثاني : أن تكون ما موصولة ، والتقدير : ولا تقولوا للذي تصف ألسنتكم الكذب فيه هذا حلال وهذا حرام ، وحذف لفظ " فيه " لكونه معلوماً ، وقيل : اللام في " لتفتروا " لام العاقبة كما في قوله تعالى : { ليكون لهم عدوًّا وحزناً } [ القصص ، 8 ] . فإن قيل : ما معنى وصف ألسنتكم الكذب ؟ أجيب : بأنّ ذلك من فصيح الكلام وبليغه جعل قولهم كأنه عين الكذب ومحضه ، وإذا نطقت به ألسنتهم فقد حلت الكذب بحليته وصورته بصورته ، كقولهم : وجهها يصف الجمال ، أي : هي جميلة ، وعينها تصف السحر ، أي : هي ساحرة ، فلما أرادوا المبالغة في وصف الوجه بالجمال ووصف العين بالسحر عبروا بذلك .
ثم إنه تعالى أوعد المفترين بقوله تعالى : { إنّ الذين يفترون على الله } ، أي : الذي له الملك كله ، { الكذب } ، منكم ومن غيركم ، { لا يفلحون } ، أي : لا يفوزون بخير ؛ لأن المفتري يفتري لتحصيل مطلوب ، فنفى الله تعالى عنه الفلاح ؛ لأنه الفوز بالخير والنجاح .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.