فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَلَا تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلۡسِنَتُكُمُ ٱلۡكَذِبَ هَٰذَا حَلَٰلٞ وَهَٰذَا حَرَامٞ لِّتَفۡتَرُواْ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَفۡتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَ لَا يُفۡلِحُونَ} (116)

{ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ ( 116 ) }

ثم زيف طريقة الكفار في الزيادة على هذه المحرمات كالبحيرة والسائبة ، وفي النقصان عنها كتحليل الميتة والدم فقال : { وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ } . قال الكسائي والزجاج : { ما } مصدرية ، و " الكذب " منتصب ب " لا تقولوا " أي : لا تقولوا الكذب لأجل وصف ألسنتكم ، ومعناه : لا تحللوا ، ولا تحرموا لأجل قول تنطق به ألسنتكم من غير حجة ، وقيل : { ما } موصولة ، والكذب منتصب ب " تصف " أي : لا تقولوا للذي تصف ألسنتكم الكذب فيه ؛ فحذف لفظ " فيه " ؛ لكونه معلوما ، فيكون هذا حلال وهذا حرام بدلا من الكذب .

قال مجاهد : في البحيرة والسائبة ، وقيل : يعني قولهم : ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا من غير استناد ذلك الوصف إلى الوحي .

وقيل : في الكلام حذف بتقدير القول ، أي : فتقول : هذا حلال وهذا حرام ، أو قائلة : هذا حلال وهذا حرام ، وقيل : لا تقولوا هذا حلال وهذا حرام لوصف ألسنتكم الكذب ، وقرئ : " كذب " بضم الثلاثة على أنه نعت للألسنة ، وقرئ ككتف نعتا أو بدلا منها ، ولا تقولوا الكذب الذي تصفه ألسنتكم هذا حلال وهذا حرام .

عن أبي نضرة قال : قرأت هذه الآية في سورة النحل ، فلم أزل أخاف الفتيا إلى يومي هذا .

قلت صدق رحمه الله فإن هذه الآية تتناول بعموم لفظها فتيا من أفتى بخلاف ما في كتاب الله أو في سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، كما يقع كثيرا من المؤثرين للرأي المقدمين له على الرواية أو الجاهلين لعلم الكتاب والسنة كالمقلدة ، وإنهم لحقيقون بأن يحال بينهم وبين فتواهم ويمنعوا من جهالاتهم ، فإنهم أفتوا بغير علم من الله ولا هدى ولا كتاب منير فضلوا وأضلوا ، فهم ومن يستفتيهم كما قال القائل :

كبهيمة عمياء قاد زمامها أعمى على عوج الطريق الحائر

وأخرج الطبراني عن ابن مسعود قال : عسى رجل يقول : إن الله أمر بكذا أو نهى عن كذا ، فيقول الله عز وجل : كذبت ، أو يقول : إن الله حرم كذا أو أحل كذا فيقول الله له : كذبت .

{ لِّتَفْتَرُواْ } ، اللام هي لام العاقبة ، لا لام الغرض ، أي : فيتعقب ذلك افتراؤكم { عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ } ، بالتحليل والتحريم ، وإسناد ذلك إليه من غير أن يكون منه .

{ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ } ، أي افتراء كان ، { لاَ يُفْلِحُونَ } بنوع من أنواع الفلاح ، والفوز بالمطلوب لا في الدنيا ولا في الآخرة بدليل ما بعده .