تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَإِن مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ إِلَّا لَيُؤۡمِنَنَّ بِهِۦ قَبۡلَ مَوۡتِهِۦۖ وَيَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ يَكُونُ عَلَيۡهِمۡ شَهِيدٗا} (159)

وقوله : { وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ } يحتمل أن الضمير هنا في قوله : { قَبْلَ مَوْتِهِ } يعود إلى أهل الكتاب ، فيكون على هذا كل كتابي يحضره الموت ويعاين الأمر حقيقة ، فإنه يؤمن بعيسى عليه السلام ولكنه إيمان لا ينفع ، إيمان اضطرار ، فيكون مضمون هذا التهديد لهم والوعيد ، وأن لا يستمروا على هذه الحال التي سيندمون عليها قبل مماتهم ، فكيف يكون حالهم يوم حشرهم وقيامهم ؟ "

ويحتمل أن الضمير في قوله : { قَبْلَ مَوْتِهِ } راجع إلى عيسى عليه السلام ، فيكون المعنى : وما من أحد من أهل الكتاب إلا ليؤمنن بالمسيح عليه السلام قبل موت المسيح ، وذلك يكون عند اقتراب الساعة وظهور علاماتها الكبار .

فإنه تكاثرت الأحاديث الصحيحة في نزوله عليه السلام في آخر هذه الأمة . يقتل الدجال ، ويضع الجزية ، ويؤمن به أهل الكتاب مع المؤمنين . ويوم القيامة يكون عيسى عليهم شهيدا ، يشهد عليهم بأعمالهم ، وهل هي موافقة لشرع الله أم لا ؟

وحينئذ لا يشهد إلا ببطلان كل ما هم عليه ، مما هو مخالف لشريعة القرآن وَلِمَا دعاهم إليه محمد صلى الله عليه وسلم ، علمنا بذلك ، لِعِلْمِنَا بكمال عدالة المسيح عليه السلام وصدقه ، وأنه لا يشهد إلا بالحق ، إلا أن ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم هو الحق وما عداه فهو ضلال وباطل .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَإِن مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ إِلَّا لَيُؤۡمِنَنَّ بِهِۦ قَبۡلَ مَوۡتِهِۦۖ وَيَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ يَكُونُ عَلَيۡهِمۡ شَهِيدٗا} (159)

و { إِن } هنا نافية بمعنى ما النافية ، والمخبر عنه محذوف قامت صفته مقامه .

أى : وما أحد من أهل الكتاب . وحذف أحد لأنه ملحوظ فى كل نفى يدخله الاستثناء . نحو : ما قام إلا زيد . أى ما قام أحد إلا زيد .

وللمفسرين فى تفسير هذه الآية اتجاهان :

الأول : أن الضمير فى قوله { قَبْلَ مَوْتِهِ } يعود إلى عيسى - عليه السلام - وعليه يكون المعنى : وما من أحد من أهل الكتاب إلا ليؤمن بعيسى - عند نزوله فى آخر الزمان - حق الإِيمان ، { قَبْلَ مَوْتِهِ } أى : قيل موت عيسى ، { وَيَوْمَ القيامة يَكُونُ } عيسى - عليه السلام - { عَلَيْهِمْ } أى : على أهل الكتاب { شَهِيداً } فيشهد عليهم بأنه قد أمرهم بعباده الله وحده ، وأنه قد نهاهم عن الإِشراك معه آلهة أخرى .

وقد انتصر لهذا الاتجاه كثير من المفسرين وعلى رأسهم شيخهم ابن جرير . فقد قال - بعد سرد الأقوال فى الآية - : وأولى الأقوال بالصحة والصواب قول من قال . تأويل ذلك : وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن بعيسى قبل موت عيسى .

وقد علق ابن كثير على ما رجحه ابن جرير بقوله : ولا شك أن الذى قاله ابن جرير هو الصحيح . لأن المقصود من سياق الآيات ، بطلان ما زعمته اليهود من قتل عيسى وصلبه ، وبطلان تسليم من سلم لهم من النصارى الجهالة ذلك . فقد أخبر الله - تعالى أن الأمر لم يكن كذلك ، وإنما شبه لهم فقتلوا الشبه وهم لا يتبينون ذلك . ثم إن الله - تعالى - رفع إليه عيسى ، وإنه باق حى ، وإنه سينزل قبل يوم القيامة .

ثم عقد ابن كثير فصلا عنونه بقوله : ذكر الأحاديث الواردة فى نزول عيسى بن مريم إلى الأرض من السماء فى آخر الزمان قبل يوم القيامة وأنه يدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك به .

ثم ساق ابن كثير جملة من الأحاديث فى هذا المعنى منها ما رواه الشيخان عن أبى هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والذى نفسى بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا فيكسر الصليب ، ويقتل الخنزير ، ويضع الجزية ، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد ، وحتى تكون السجدة خيرا له من الدنيا وما فيها " .

ثم يقول أبو هريرة : اقرؤا إن شئتم : { وَإِن مِّنْ أَهْلِ الكتاب إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ } .

أما الاتجاه الثانى : فيرى أصحابه أن الضمير فى قوله { قَبْلَ مَوْتِهِ } يعود إلى الكتابى المدلول عليه بقوله : { وَإِن مِّنْ أَهْلِ الكتاب } وعليه يكون المعنى :

وما من أهل الكتاب أحد إلا ليؤمنن بعيسى قبل موته أى قبل موت هذا الكتابى ، لأنه عند ساعة الاحتضار يتجلى له الحق ، ويتبين له صحة ما كان ينكره ويجحده فيؤمن بعيسى - عليه السلام - ويشهد بأنه عبد الله ورسوله ، وأن الله واحد لا شريك له ، ولكن هذا الإِيمان لا ينفعه ، لأنه جاء فى وقت الغرغرة ، وهو وقت لا ينفع فيه الإِيمان ، لانقطاع التكلي فيه .

قالوا : ويؤيد هذا التأويل قراءة أبى : { إلا ليؤمنن به قبل موتهم } - بضم النون وبميم الجمع - .

وقد صدر صاحب الكشاف كلامه بذكر هذا التأويل فقال ما ملخصه : والمعنى : وما من اليهود والنصارى أحد إلا ليؤمنن قبل موته بعيسى . وبأنه عبد الله ورسوله . يعنى : إذا عاين قبل أن تزهق روحه حين لا ينفعه إيمانه .

فإن قلت : ما فائدة الإِخبار بعيسى قبل موتهم ؟ قلت فائدته الوعدي ، وليكون عملهم بأنهم لا بد لهم من الإِيمان به عن قريب عند المعاينة ، وأن ذلك لا ينفعهم ، بعثا لهم وتنبيها على معاجلة الإِيمان به فى وقت الانتفاع به ، وليكون إلزاما للحجة لهم .

وقيل : الضميران لعيسى بمعنى : وإن منهم أحد إلا ليؤمننن بعيسى قبل موت عيسى وهم أهل الكتاب الذين يكونون فى زمان نزوله .

والذى نراه أولى أنه لا تعارض بين التأويلين . فإن كلا منهما حق فى ذاته .

فكل كتابى عندما تحضره الوفاة يعلم أن عيسى كان صادقا فى نبوته ، وأنه عبد الله ، وأنه قد دعا الناس إلى عبادة الله وحده . وكذلك كل كتابى يشهد نزول عيسى فى آخر الزمان سيؤمن به ويتبعه ويشهد بأنه صادق فيما بلغه عن ربه .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَإِن مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ إِلَّا لَيُؤۡمِنَنَّ بِهِۦ قَبۡلَ مَوۡتِهِۦۖ وَيَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ يَكُونُ عَلَيۡهِمۡ شَهِيدٗا} (159)

148

ونعود من هذا الاستطراد ، مع عودة السياق القرآني إلى بقية هذا الاستدراك :

( وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ؛ ويوم القيامة يكون عليهم شهيدًا ) .

وقد اختلف السلف في مدلول هذه الآية ، باختلافهم في عائد الضمير في " موته " فقال جماعة : وما من أهل الكتاب من أحد إلا يؤمن بعيسى - عليه السلام - قبل موته - أي عيسى - وذلك على القول بنزوله قبيل الساعة . . وقال جماعة وما من أهل الكتاب من أحد إلا يؤمن بعيسى قبل موته . . أي موت الكتابي - وذلك على القول بأن الميت - وهو في سكرات الموت - يتبين له الحق ، حيث لا ينفعه أن يعلم !

ونحن أميل إلى هذا القول الثاني ؛ الذي ترشح له قراءة أبى : " إلا ليؤمنن به قبل موتهم " . . فهذه القراءة تشير إلى عائد الضمير ؛ وأنه أهل الكتاب . . وعلى هذا الوجه يكون المعنى : أن اليهود الذين كفروا بعيسى - عليه السلام - وما زالوا على كفرهم به ، وقالوا : إنهم قتلوه وصلبوه ، ما من أحد منهم يدركه الموت ، حتى تكشف له الحقيقة عند حشرجة الروح ، فيرى أن عيسى حق ، ورسالته حق ، فيؤمن به ، ولكن حين لا ينفعه إيمان . . ويوم القيامة يكون عيسى عليهم شهيدا .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَإِن مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ إِلَّا لَيُؤۡمِنَنَّ بِهِۦ قَبۡلَ مَوۡتِهِۦۖ وَيَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ يَكُونُ عَلَيۡهِمۡ شَهِيدٗا} (159)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ وَإِن مّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاّ لَيُؤْمِنَنّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً } . .

اختلف أهل التأويل في معنى ذلك ، فقال بعضهم : معنى ذلك : وَإنْ مِنْ أهْلِ الكِتابِ إلاّ لَيُؤْمِنَنّ بِهِ يعني بعيسى قَبْلَ مَوْتِهِ يعني : قبل موت عيسى ، يوجه ذلك إلى أن جميعهم يصدّقون به إذا نزل لقتل الدجال ، فتصير الملل كلها واحدة ، وهي ملة الإسلام الحنيفية ، دين إبراهيم صلى الله عليه وسلم . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : وَإنْ مِنْ أهْلِ الكِتابِ إلاّ لَيُؤْمِنَنّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ قال : قبل موت عيسى ابن مريم .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : وَإنْ مِنْ أهْلِ الكِتابِ إلاّ لَيُؤْمِنَنّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ قال : قبل موت عيسى .

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا حصين ، عن أبي مالك في قوله : إلاّ لَيُؤْمِنَنّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ قال : ذلك عند نزول عيسى ابن مريم لا يبقى أحد من أهل الكتاب إلا ليومننّ به .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحجاج بن المنهال ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن حميد ، عن الحسن ، قال : قَبْلَ مَوْتِهِ قال : قبل أن يموت عيسى ابن مريم .

حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، عن أبي رجاء ، عن الحسن في قوله : وَإنْ مِنْ أهْلِ الكِتابِ إلاّ لَيُؤْمِنَنّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ قال : قبل موت عيسى ، والله إنه الاَن لحيّ عند الله ، ولكن إذا نزل آمنوا به أجمعون .

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة في قوله : وَإنْ مِنْ أهْلِ الكِتابِ إلاّ لَيُؤْمِنَنّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ يقول : قبل موت عيسى .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة : وَإنْ مِنْ أهْلِ الكِتابِ إلاّ لَيُؤْمِنَنّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ قال : قبل موت عيسى .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة : وَإنْ مِنْ أهْلِ الكِتابِ إلاّ لَيُؤْمِنَنّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ قال : قبل موت عيسى إذا نزل آمنت به الأديان كلها .

حدثنا ابو وكيع قال : حدثنا أبي ، عن أبي جعفر الرازيّ ، عن الربيع بن أنس ، عن الحسن ، قال : قبل موت عيسى .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو أسامة ، عن عوف ، عن الحسن : إلاّ لَيُؤْمِنَنّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ قال : عيسى ولم يمت بعد .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمران بن عيينة ، عن حصين ، عن أبي مالك ، قال : لا يبقى أحد منهم عند نزول عيسى إلا آمن به .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن حصين ، عن أبي مالك ، قال : قبل موت عيسى .

حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : وَإنْ مِنْ أهْلِ الكِتابِ إلاّ لَيُؤْمِنَنّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ قال : إذا نزل عيسى ابن مريم فقتل الدجال لم يبق يهوديّ في الأرض إلا آمن به ، قال : وذلك حين لا ينفعهم الإيمان .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه عن ابن عباس ، قوله : وَإنْ مِنْ أهْلِ الكِتابِ إلاّ لَيُؤْمِنَنّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ يعني : أنه سيدرك أناس من أهل الكتاب حين يبعث عيسى ، فيؤمنون به ، ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا .

حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن منصور بن زاذان ، عن الحسن أنه قال في هذه الاَية : وَإنْ مِنْ أهْلِ الكِتابِ إلاّ لَيُؤْمِنَنّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ . قال أبو جعفر : أظنه إنما قال : إذا خرج عيسى آمنت به اليهود .

وقال آخرون : يعني بذلك : وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمننّ بعيسى قبل موت الكتابي .

ذكر من كان يوجه ذلك ، إلى أنه إذا عاين علم الحقّ من الباطل ، لأن كلّ من نزل به الموت لم تخرج نفسه حتى يتبين له الحقّ من الباطل في دينه :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قوله : وَإنْ مِنْ أهْلِ الكِتابِ إلاّ لَيُؤْمِنَنّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ قال : لا يموت يهوديّ حتى يؤمن بعيسى .

حدثنا ابن وكيع وابن حميد ، قالا : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد : وَإنْ مِنْ أهْلِ الكِتابِ إلاّ لَيُؤْمِنَنّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ قال : لا تخرج نفسه ، حتى يؤمن بعيسى ، وإن غرق ، أو تردّى من حائط ، أو أيّ ميتة كانت .

حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : إلاّ لَيُؤْمِنَنّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ كلّ صاحب كتاب ليؤمننّ به بعيسى قبل موته ، موت صاحب الكتاب .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : لَيُؤْمِنَنّ بِهِ كلّ صاحب كتاب يؤمن بعيسى قبل موته ، قبل موت صاحب الكتاب قال ابن عباس : لو ضُربت عنقه ، لم تخرج نفسه حتى يؤمن بعيسى .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا أبو تميلة يحيى بن واضح ، قال : حدثنا الحسين بن واقد ، عن يزيد النحويّ ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : لا يموت اليهوديّ ، حتى يشهد أن عيسى عبد الله ورسوله ، ولو عجل عليه بالسلاح .

حدثني إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد ، قال : حدثنا عتاب بن بشير ، عن خصيف ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : وَإنْ مِنْ أهْلِ الكِتابِ إلاّ لَيُؤْمِنَنّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ قال : هي في قراءة أبيّ : «قبل موتهم » . ليس يهوديّ يموت أبدا حتى يؤمن بعيسى قيل لابن عباس : أرأيت إن خرّ من فوق بيت ؟ قال : يتكلم به في الهُويّ . فقيل : أرأيت إن ضُربت عنق أحد منهم ؟ قال : يتلجلج بها لسانه .

حدثني المثنى ، قال : ثني أبو نعيم الفضل بن دكين ، قال : حدثنا سفيان ، عن خصيف ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : وَإنْ مِنْ أهْلِ الكِتابِ إلاّ لَيُؤْمِنَنّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ قال : لا يموت يهوديّ حتى يؤمن بعيسى ابن مريم ، قيل : وإن ضرب بالسيف ؟ قال : يتكلم به ، قيل : وإن هَوَى ؟ قال : يتكلم به وهو يَهْوي .

حدثنا ابن المثنى ، قال : ثني محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي هارون الغنوي ، عن عكرمة عن ابن عباس ، أنه قال في هذه الاَية : وَإنْ مِنْ أهْلِ الكِتابِ إلاّ لَيُؤْمِنَنّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ قال : لو أنّ يهوديا وقع من فوق هذا البيت لم يمت حتى يؤمن به يعني : بعيسى .

حدثنا ابن المثنى ، قال : ثني عبد الصمد ، قال : حدثنا شعبة ، عن مولى لقريش ، قال : سمعت عكرمة يقول : لو وقع يهوديّ من فوق القصر ، لم يبلغ إلى الأرض ، حتى يؤمن بعيسى .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي هاشم الرّماني ، عن مجاهد : لَيُؤْمِنَنّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ قال : وإن وقع من فوق البيت لا يموت حتى يؤمن به .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عمرو بن أبي قيس ، عن منصور ، عن مجاهد : وَإنْ مِنْ أهْلِ الكِتابِ إلاّ لَيُؤْمِنَنّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ قال : لا يموت رجل من أهل الكتاب حتى يؤمن به ، وإن غرق ، أو تردّى ، أو مات بشيء .

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علية ، عن ليث ، عن مجاهد في قوله : وَإنْ مِنْ أهْلِ الكِتابِ إلاّ لَيُؤْمِنَنّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ قال : لا تخرج نفسه حتى يؤمن به .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن خصيف ، عن عكرمة : وَإنْ مِنْ أهْلِ الكِتابِ إلاّ لَيُؤْمِنَنّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ قال : لا يموت أحدهم حتى يؤمن به ، يعني : بعيسى ، وإن خرّ من فوق بيت يؤمن به وهو يهوي .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو خالد الأحمر ، عن جويبر ، عن الضحاك ، قال : ليس أحد من اليهود يخرج من الدنيا حتى يؤمن بعيسى .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن فرات القزاز ، عن الحسن في قوله : وَإنْ مِنْ أهْلِ الكِتابِ إلاّ لَيُؤْمِنَنّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ قال : لا يموت أحد منهم ، حتى يؤمن بعيسى ، يعني : اليهود والنصارى .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا إسرائيل ، عن فرات ، عن الحسن في قوله : وَإنْ مِنْ أهْلِ الكِتابِ إلاّ لَيُؤْمِنَنّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ قال : لا يموت أحد منهم ، حتى يؤمن بعيسى قبل أن يموت .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا الحكم بن عطية ، عن محمد بن سيرين : وَإنْ مِنْ أهْلِ الكِتابِ إلاّ لَيُؤْمِنَنّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ قال : موت الرجل من أهل الكتاب .

حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : وَإنْ مِنْ أهْلِ الكِتابِ إلاّ لَيُؤْمِنَنّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ قال : قال ابن عباس : ليس من يهوديّ ولا نصرانيّ يموت حتى يؤمن بعيسى ابن مريم . فقال له رجل من أصحابه : كيف والرجل يغرق ، أو يحترق ، أو يسقط عليه الجدار ، أو يأكله السبع ؟ فقال : لا تخرج روحه من جسده حتى يقذف فيه الإيمان بعيسى .

حُدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : وَإنْ مِنْ أهْلِ الكِتابِ إلاّ لَيُؤْمِنَنّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ قال : لا يموت أحد من اليهود حتى يشهد أن عيسى رسول الله صلى الله عليه وسلم .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا يعلى ، عن جويبر في قوله : لَيُؤْمِنَنّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ قال : في قراءة أبيّ : «قبل موتهم » .

وقال آخرون : معنى ذلك : وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمننّ بمحمد صلى الله عليه وسلم قبل موت الكتابي . ذكر من قال ذلك :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحجاج بن المنهال ، قال : حدثنا حماد ، عن حميد ، قال : قال عكرمة : لا يموت النصرانيّ واليهوديّ حتى يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم يعني في قوله : وَإنْ مِنْ أهْلِ الكِتابِ إلاّ لَيُؤْمِنَنّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ .

قال أبو جعفر : وأولى الأقوال بالصحة والصواب قول من قال : تأويل ذلك : وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمننّ بعيسى قبل موت عيسى .

وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب من غيره من الأقوال ، لأن الله جلّ ثناؤه حكم لكل مؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم بحكم أهل الإيمان في الموارثة والصلاة عليه وإلحاق صغار أولاده بحكمه في الملة ، فلو كان كلّ كتابيّ يؤمن بعيسى قبل موته ، لوجب أن لا يرث الكتابيّ إذا مات على ملته إلا أولاده الصغار أو البالغون منهم من أهل الإسلام ، إن كان له ولد صغير أو بالغ مسلم ، وإن لم يكن له ولد صغير ولا بالغ مسلم ، كان ميراثه مصروفا حيث يصرف مال المسلم ، يموت ولا وارث له ، وأن يكون حكمه حكم المسلمين في الصلاة عليه وغسله وتقبيره ، لأن من مات مؤمنا بعيسى فقد مات مؤمنا بمحمد وبجميع الرسل وذلك أن عيسى صلوات الله عليه جاء بتصديق محمد وجميع المرسلين ، فالمصدّق بعيسى والمؤمن به مصدّق بمحمد وبجميع أنبياء الله ورسله ، كما أن المؤمن بمحمد مؤمن بعيسى وبجميع أنبياء الله ورسله ، فغير جائز أن يكون مؤمنا بعيسى من كان بمحمد مكذّبا .

فإن ظنّ ظانّ أن معنى إيمان اليهوديّ بعيسى ، الذي ذكره الله في قوله : وَإنْ مِنْ أهْلِ الكِتابِ إلاّ لَيُؤْمِنَنّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ إنما هو إقراره بأنه لله نبيّ مبعوث دون تصديقه بجميع ما أتى به من عند الله ، فقد ظنّ خطأ . وذلك أنه غير جائز أن يكون منسوبا إلى الإقرار بنبوّة نبيّ من كان له مكذّبا في بعض ما جاء به من وحي الله وتنزيله ، بل غير جائز أن يكون منسوبا إلا الإقرار بنبوةّ أحد من أنبياء الله لأن الأنبياء جاءت الأممم بتصديق جميع أنبياء الله ورسله فالمكذب بعض أنبياء الله فيما أتى به أمته من عند الله مكذب جميع أنبياء الله فيما دعوا إليه من دين عباد الله . وإذ كان ذلك كذلك ، كان في إجماع الجميع من أهل الإسلام على أن كل كتابي مات قبل إقراره بمحمد صلوات الله عليه وما جاء به من عند الله ، محكوم له بحكم المسألة التي كان عليها أيام حياته ، غير منقول شيء من أحكامه في نفسه وماله وولده صغارهم وكبارهم بموته عما كان عليه في حياته ، أدلّ الدليل على أن معنى قول الله : وَإنْ مِنْ أهْلِ الكِتابِ إلاّ لَيُؤْمِنَنّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ إنما معناه : إلا ليؤمننّ بعيسى قبل موت عيسى ، وأن ذلك في خاصّ من أهل الكتاب ، ومعنىّ به أهل زمان منهم دون أهل كل الأزمنة التي كانت بعد عيسى ، وأن ذلك كائن عند نزوله . كالذي :

حدثني بشر بن معاذ ، قال : ثني يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن عبد الرحمن بن آدم ، عن أبي هريرة ، أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم قال : «الأنْبِياءُ إخْوَةٌ لِعَلاّتٍ أُمّهاتُهُمْ شَتّى وَديِنُهُمْ وَاحِدٌ ، وإنّى أوْلى النّاسِ بعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ لأنّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنِي وَبَيْنَهُ نَبِيّ . وَإنّهُ نازِلٌ ، فإذَا رأيْتُمُوهُ فاعْرِفُوهُ ، فإنّهُ رَجُلٌ مَرْبُوعُ الخَلْقِ إلى الحُمْرَةِ وَالبَياضِ ، سَبْطُ الشّعْرِ كأنّ رأسَهُ يَقْطُرُ وَإنْ لَمْ يُصِبْهُ بَلَلٌ ، بينَ مُمَصّرَتَيْنِ ، فَيَدُقّ الصّلِيبَ ، وَيَقْتُلُ الخِنْزِيرَ ، وَيَضَعُ الجزْيَةَ ، وَيُفِيضُ المَالُ ، وَيُقاتِلِ النّاسَ على الإسْلامِ حتى يَهْلِكَ اللّهُ فِي زَمانِهِ المِلَلَ كُلّها غيرَ الإسْلامِ ، ويُهْلِكُ اللّهُ فِي زَمانِهِ مَسِيحَ الضّلالَةِ الكَذّابَ الدّجّالَ ، وَتَقَعُ الأمَنَةُ فِي الأرْضِ فِي زَمانِهِ حتى تَرْتَعَ الأُسُودُ معَ الإبِلِ والنّمُورُ مَعَ البَقَرِ وَالذّئابُ مَعَ الغَنمِ ، وَتَلْعَبُ الغِلْمانُ وَالصبْيانُ بالحَيّاتِ لا يَضُرّ بَعْضُهُمْ بَعْضا ، ثُمّ يَلْبَثُ فِي الأرْضِ ما شاء الله » وربما قال : «أربعين سنة ، ثم يُتوفى ويصلي عليه المسلمون ويُدفنونه » .

وأما الذي قال : عني بقوله : لَيُؤْمِنَنّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ ليؤمننّ بمحمد صلى الله عليه وسلم قبل موت الكتابي ، فمما لا وجه له مفهوم لأنه مع فساده من الوجه الذي دللّنا على فساد قول من قال : عنى به : ليؤمننّ بعيسى قبل موت الكتابيّ ، يزيده فسادا أنه لم يجر لمحمد عليه الصلاة والسلام في الاَيات التي قبل ذلك ذكر ، فيجوز صرف الهاء التي في قوله : لَيُؤْمِنَنّ بِهِ إلى أنها من ذكره ، وإنما قوله : لَيُؤْمِنَنّ بِهِ في سياق ذكر عيسى وأمه واليهود ، فغير جائز صرف الكلام عما هو في سياقه إلى غيره إلا بحجة يجب التسليم لها من دلالة ظاهر التنزيل أو خبر عن الرسول تقوم به حجة فأما الدعاوي فلا تتعذّر على أحد . فتأويل الاَية إذ كان الأمر على ما وصفت : وما من أهل الكتاب إلا من ليؤمننّ بعيسى قبل موت عيسى ، وحذف «مَنْ » بعد «إلا » لدلالة الكلام عليه ، فاستغني بدلالته عن إظهاره كسائر ما قد تقدمّ من أمثاله التي قد أتينا على البيان عنها .

القول في تأويل قوله تعالى : وَيَوْمَ القِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدا .

يعني بذلك جلّ ثناؤه : وَيَوْمَ القِيامَةِ يَكُونُ عيسى على أهل الكتاب شَهِيدا يعني : شاهدا عليهم بتكذيب من كذّبه منهم ، وتصديق من صدّقه منهم فيما أتاهم به من عند الله وبإبلاغه رسالة ربه . كالذي :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، قال : قال ابن جريج : وَيَوْمَ القِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدا أنه قد أبلغهم ما أرسله به إليهم .

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : وَيَوْمَ القِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدا يقول : يكون عليهم شهيدا يوم القيامة ، على أنه قد بلّغ رسالة ربه وأقرّ بالعبودية على نفسه .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَإِن مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ إِلَّا لَيُؤۡمِنَنَّ بِهِۦ قَبۡلَ مَوۡتِهِۦۖ وَيَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ يَكُونُ عَلَيۡهِمۡ شَهِيدٗا} (159)

{ وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته } أي وما من أهل الكتاب أحد إلا ليؤمنن به ، فقوله { ليؤمنن به } جملة قسمية وقعت صفة لأحد ويعود إليه الضمير الثاني ، والأول لعيسى عليه الصلاة والسلام . والمعنى ما من اليهود والنصارى أحد إلا ليؤمنن بأن عيسى عبد الله ورسوله قبل أن يموت ولو حين أن تزهق روحه ولا ينفعه إيمانه ويؤيد ذلك أنه قرئ . " إلا ليؤمنن به قبل موتهم " بضم النون لأن أحدا في معنى الجمع ، وهذا كالوعيد لهم والتحريض على معاجلة الإيمان به قبل أن يضطروا إليه ولم ينفعهم إيمانهم . وقيل الضميران لعيسى عليه أفضل الصلاة والسلام ، والمعنى : أنه إذا نزل من السماء آمن به أهل الملل جميعا . روي : أنه عليه الصلاة والسلام ينزل من السماء حين يخرج الدجال فيهلكه ولا يبقى أحد من أهل الكتاب إلا يؤمن به ، حتى تكون الملة واحدة وهي ملة الإسلام ، وتقع الأمنة حتى ترتع الأسود مع الإبل ، والنمور مع البقر ، والذئاب مع الغنم ، وتلعب الصبيان بالحيات . ويلبث في الأرض أربعين سنة ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون ويدفنونه ، { ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا } فيشهد على اليهود بالتكذيب وعلى النصارى بأنهم دعوه ابن الله .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَإِن مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ إِلَّا لَيُؤۡمِنَنَّ بِهِۦ قَبۡلَ مَوۡتِهِۦۖ وَيَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ يَكُونُ عَلَيۡهِمۡ شَهِيدٗا} (159)

عطف على جملة { وما قتلوه } [ النساء : 157 ] . وهذا الكلام إخبار عنهم ، وليس أمراً لهم ، لأنّ وقوع لام الابتداء فيه ينادي على الخبرية . و { إن } نافية و { من أهل الكتاب } صفة لموصوف محذوف تقديره : أحد .

والضمير المجرور عائد لعيسى : أيّ ليومنَنّ بعيسى ، والضمير في { موته } يحتمل أن يعود إلى أحد أهل الكتاب ، أي قبل أن يموت الكتابيّ ، ويؤيّده قراءة أبَي بن كعب { إلا ليؤمنن به قبل موته } . وأهل الكتاب يطلق على اليهود والنّصارى ؛ فأمّا النصارى فهم مؤمنون بعيسى من قبل ، فيتعيّن أن يكون المراد بأهل الكتاب اليهود . والمعنى أنّ اليهود مع شدّة كفرهم بعيسى لا يموت أحد منهم إلاّ وهو يؤمن بنبوّته قبل موته ، أي ينكشف له ذلك عند الاحْتضار قبل انزهاق روحه ، وهذه منّة مَنّ الله بها على عيسى ، إذ جعل أعداءه لا يخرجون من الدنيا إلاّ وقد آمنوا به جزاء له على ما لقي من تكذيبهم ، لأنّه لم يتمتّع بمشاهدة أمّةٍ تتبعه . وقيل : كذلك النصرانيّ عند موته ينكشف له أنّ عيسى عبد الله .

وعندي أنّ ضمير { به } راجع إلى الرفع المأخوذ من فعل { رفعه الله إليه } [ النساء : 158 ] ، ويعمّ قولُه { أهلِ الكتاب } اليهودَ ، والنّصارى ، حيث استووا مع اليهود في اعتقاد وقوع الصلب .

والظاهر أنّ الله يقذف في نفوس أهل الكتابين الشكّ في صحّة الصلب ، فلا يزال الشكّ يخالج قلوبهم ويقوَى حتّى يبلغ مبلغ العلم بعدم صحّة الصلب في آخر أعمارهم تصديقاً لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم حيث كذّب أخبارهم فنفَى الصلبَ عن عيسى عليه السلام .

وقيل : الضمير في قوله { موته } عائد إلى عيسى ، أي قبل موت عيسى ، ففرّع القائلون بهذا تفاريع : منها أنّ موته لا يقع إلاّ آخر الدنيا ليتمّ إيمان جميع أهل الكتاب به قبل وقوع الموت ، لأنّ الله جعل إيمانهم مستقبلاً وجعله قبل موته ، فلزم أن يكون موته مستقبلاً ؛ ومنها ما ورد في الحديث : أنّ عيسى عليه السلام ينزل في آخر مدّة الدنيا ليؤمن به أهل الكتاب ، ولا يخفى أنّ عموم قوله : { وإن من أهل الكتاب } يبطل هذا التفسير : لأنّ الَّذين يؤمنون به على حسب هذا التأويل هم الذين سيوجدون من أهل الكتاب لا جميعهم .

والشهيد : الشاهد ؛ يشهد بأنّه بلّغ لهم دعوة ربّهم فأعرضوا ، وبأنّ النّصَارى بدّلوا ، ومعنى الآية مفصّل في قوله تعالى : { يوم يجمع الله الرسل } الآيَات في سورة العقود ( 109 ) .