تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ رُسُلًا إِلَىٰ قَوۡمِهِمۡ فَجَآءُوهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ فَٱنتَقَمۡنَا مِنَ ٱلَّذِينَ أَجۡرَمُواْۖ وَكَانَ حَقًّا عَلَيۡنَا نَصۡرُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (47)

{ 47 } { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ }

أي : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ } في الأمم السابقين { رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ } حين جحدوا توحيد اللّه وكذبوا بالحق فجاءتهم رسلهم يدعونهم إلى التوحيد والإخلاص والتصديق بالحق وبطلان ما هم عليه من الكفر والضلال ، وجاءوهم بالبينات والأدلة على ذلك فلم يؤمنوا ولم يزولوا عن غيهم ، { فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا } ونصرنا المؤمنين أتباع الرسل . { وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ } أي : أوجبنا ذلك على أنفسنا وجعلناه من جملة الحقوق المتعينة ووعدناهم به فلا بد من وقوعه .

فأنتم أيها المكذبون لمحمد صلى اللّه عليه وسلم إن بقيتم على تكذيبكم حلَّت بكم العقوبة ونصرناه عليكم .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ رُسُلًا إِلَىٰ قَوۡمِهِمۡ فَجَآءُوهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ فَٱنتَقَمۡنَا مِنَ ٱلَّذِينَ أَجۡرَمُواْۖ وَكَانَ حَقًّا عَلَيۡنَا نَصۡرُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (47)

وقوله - تعالى - : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلاً إلى قَوْمِهِمْ فَجَآءُوهُم بالبينات . . . } كلام معترض بين الحديث عن نعمة الرياح ، لتسلية الرسول صلى الله عليه عما لقحه من قومه من أذى .

أى ولقد أرسلنا من قبلك - أيها الرسول الكريم - رسلاً كثيرين ، إلى قومهم ليهدوهم إلى الرشد ، وجاء كل رسول إلى قومه بالحجج الواضحات التى تدل على صدقه .

وقوله { فانتقمنا مِنَ الذين أَجْرَمُواْ } معطوف على كلام محذوف . أى : أرسلناهم بالحجج الواضحات ، فمن أقوامهم من آمن بهم ، ومنهم من كذبهم ، فانتقمنا من المكذبين لرسلهم .

{ وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ المؤمنين } أى : وكان نصر المؤمنين حقاً أوجبناه على ذاتنا ، فضلاً منا وكرماً ، وتكريماً وإنصافاً لمن آمن بوحدانيتنا ، وأخلص العبادة لنا .

" وحقا " خبر كان ، و " نصر المؤمنين " اسمها و " علينا " متعلق بقوله حقا .

قال ابن كثير : قوله هو حق أوجبه على نفسه الكريمة ، تكريماً وتفضلاً ، كقوله : { كَتَبَ رَبُّكُمْ على نَفْسِهِ الرحمة } وعن أبى الدرداء قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما من امرئ مسلم يرد من عرض أخيه ، إلا كان حقاً على الله أن يرد عنه نار جهنم يوم القيامة : ثم تلا صلى الله عيله وسلم هذه الآية "

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ رُسُلًا إِلَىٰ قَوۡمِهِمۡ فَجَآءُوهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ فَٱنتَقَمۡنَا مِنَ ٱلَّذِينَ أَجۡرَمُواْۖ وَكَانَ حَقًّا عَلَيۡنَا نَصۡرُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (47)

33

ومثل إرسال الرياح مبشرات إرسال الرسل بالبينات :

ولقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى قومهم فجاءوهم بالبينات . .

ولكن الناس لم يستقبلوا رحمة الله هذه - وهي أجل وأعظم - استقبالهم للرياح المبشرات . ولا انتفعوا بها - وهي أنفع وأدوم - انتفاعهم بالمطر والماء ! ووقفوا تجاه الرسل فريقين : مجرمين لا يؤمنون ولا يتدبرون ولا يكفون عن إيذاء الرسل والصد عن سبيل الله . و مؤمنين يدركون آيات الله ، ويشكرون رحمته ، ويثقون بوعده ، ويحتملون من المجرمين ما يحتملون . . ثم كانت العاقبة التي تتفق مع عدل الله ووعده الوثيق .

( فانتقمنا من الذين أجرموا . وكان حقا علينا نصر المؤمنين ) . .

وسبحان الذي أوجب على نفسه نصر المؤمنين ؛ وجعله لهم حقا ، فضلا وكرما . وأكده لهم في هذه الصيغة الجازمة التي لا تحتمل شكا ولا ريبا . وكيف والقائل هو الله القوي العزيز الجبار المتكبر ، القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير . يقولها سبحانه معبرة عن إرادته التي لا ترد ، وسنته التي لا تتخلف ، وناموسه الذي يحكم الوجود .

وقد يبطئ هذا النصر أحيانا - في تقدير البشر - لأنهم يحسبون الأمور بغير حساب الله ، ويقدرون الأحوال لا كما يقدرها الله . والله هو الحكيم الخبير . يصدق وعده في الوقت الذي يريده ويعلمه ، وفق مشيئته وسنته . وقد تتكشف حكمة توقيته وتقديره للبشر وقد لا تتكشف . ولكن إرادته هي الخير وتوقيته هو الصحيح . ووعده القاطع واقع عن يقين ، يرتقبه الصابرون واثقين مطمئنين .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ رُسُلًا إِلَىٰ قَوۡمِهِمۡ فَجَآءُوهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ فَٱنتَقَمۡنَا مِنَ ٱلَّذِينَ أَجۡرَمُواْۖ وَكَانَ حَقًّا عَلَيۡنَا نَصۡرُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (47)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلاً إِلَىَ قَوْمِهِمْ فَجَآءُوهُم بِالْبَيّنَاتِ فَانتَقَمْنَا مِنَ الّذِينَ أَجْرَمُواْ وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنينَ } .

يقول تعالى ذكره مسليا نبيه صلى الله عليه وسلم فيما يلقى من قومه من الأذى فيه بما لقي من قبله من رسله من قومهم ، ومعلمه سنته فيهم وفي قومهم ، وأنه سالك به وبقومه سنته فيهم ، وفي أممهم : ولقد أرسلنا يا محمد من قبلك رسلاً إلى قومهم الكفرة ، كما أرسلناك إلى قومك العابدي الأوثان من دون الله فجاءُوهُمْ بالبّيّناتِ يعني : بالواضحات من الحجج على صدقهم وأنهم لله رسل كما جئت أنت قومك بالبينات فكذّبوهم كما كذّبك قومك ، وردّوا عليهم ما جاءوهم به من عند الله ، كما ردّوا عليك ما جئتهم به من عند ربك فانْتَقَمْنا مِنَ الّذِينَ أجْرَمُوا يقول : فانتقمنا من الذين أجرموا الاَثام ، واكتسبوا السيئات من قومهم ، ونحن فاعلو ذلك كذلك بمجرمي قومك وكانَ حَقّا عَلَيْنا نَصْرُ المُؤْمِنِينَ يقول : ونجّينا الذين آمنوا بالله وصدّقوا رسله ، إذ جاءهم بأسنا ، وكذلك نفعل بك وبمن آمن بك من قومك وكانَ حَقّا عَلَيْنا نَصْرُ المُؤْمِنِينَ على الكافرين ، ونحن ناصروك ومن آمن بك على مَن كفر بك ، ومظفروك بهم .