السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ رُسُلًا إِلَىٰ قَوۡمِهِمۡ فَجَآءُوهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ فَٱنتَقَمۡنَا مِنَ ٱلَّذِينَ أَجۡرَمُواْۖ وَكَانَ حَقًّا عَلَيۡنَا نَصۡرُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (47)

وعطف على النعم قوله تعالى : { ولقد أرسلنا } أي : بما لنا من القوة . وقال تعالى { من قبلك رسلاً } تنبيهاً على أنه خاتم النبيين بتخصيص إرسال غيره بما قبل زمانه وقال { إلى قومهم } إعلاماً بأنّ أمر الله إذا جاء لا ينفع فيه قريب ولا بعيد { فجاؤهم بالبينات } فانقسم قومهم إلى مسلمين ومجرمين { فانتقمنا } أي : فكانت معاداة المسلمين للمجرمين فينا سبباً ؛ لأنا انتقمنا بما لنا من العظمة { من الذين أجرموا } أي : أهلكنا الذين كذبوهم لإجرامهم وهو قطع ما أمرناهم بوصله . ولما كان محط الفائدة إلزامه سبحانه لنفسه بما تفضل به قدمه تعجيلاً للسرور وتطييباً للنفوس فقال تعالى { وكان } أي : على سبيل الثبات والدوام { حقاً علينا } أي : مما أوجبناه بوعدنا الذي لا خلف فيه { نصر المؤمنين } أي : العريقين في ذلك الوصف في الدنيا والآخرة ، ولم يزل هذا دأبنا في كل ملة على مدى الدهر فليعتدّ هؤلاء لمثل هذا وليأخذوا لمثل ذلك أهبة لينظروا من المغلوب وهل ينفعهم شيء ، روى الترمذي وحسنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : «ما من امرئ مسلم يردّ عن عرض أخيه إلا كان حقاً على الله أن يردّ عنه نار جهنم يوم القيامة ثم تلا قوله تعالى { وكان حقاً علينا نصر المؤمنين } قال البقاعي : فالآية من الاحتباك أي : وهو أن يؤتى بكلامين يحذف من كل منهما شيء يكون نظمهما بحيث يدل ما أثبت في كلٍ على ما حذف من الآخر ، فحذف أوّلاً الإهلاك الذي هو أثر الخذلان لدلالة النصر عليه ، وثانياً الإنعام لدلالة الانتقام عليه .