تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة الصف [ وهي ] مدنية .

{ 1-3 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ } وهذا بيان لعظمته تعالى وقهره ، وذل جميع الخلق{[1069]}  له تبارك وتعالى ، وأن جميع من في السماوات والأرض يسبحون بحمد الله ويعبدونه ويسألونه حوائجهم ، { وَهُوَ الْعَزِيزُ } الذي قهر الأشياء بعزته وسلطانه ، { الْحَكِيمُ } في خلقه وأمره .


[1069]:- في ب: الخلق له.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة الصف :

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة وتمهيد :

1- سورة " الصف " من السور المدنية الخالصة ، وقد اشتهرت بهذا الاسم منذ عهد النبوة .

فقد أخرج الإمام أحمد عن عبد الله بن سلام قال : تذاكرنا : أيكم يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسأله عن أحب الأعمال إلى الله ؟ فلم يقم أحد منا ، فأرسل إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا ، فجمعنا فقرأ علينا هذه السورة ، يعني سورة الصف كلها( {[1]} ) .

قال الآلوسي : وتسمى –أيضا- سورة الحواريين ، وسورة عيسى –عليه السلام- .

وعدد آياتها أربع عشرة آية ، وكان نزولها بعد سورة " التغابن " وقبل سورة " الفتح " .

2- وقد افتتحت بتسبيح الله –تعالى- عن كل ما لا يليق به ، ثم وجهت نداء إلى المؤمنين نهتهم فيه أن يقولوا قولا لم تطابقه أفعالهم ، فقال –تعالى- : { يأيها الذين آمنوا لم تقولون مالا تفعلون ، كبر مقتا عند الله أن تقولوا مالا تفعلون } .

وبعد أن ذكر –سبحانه- جانبا مما قاله موسى –عليه السلام- لقومه ، وما قاله عيسى –عليه السلام- لقومه ، أتبع ذلك ببيان ما جبل عليه الكافرون من كذب على الحق ومن كراهية لظهور نوره ، فقال –تعالى- { ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب . وهو يدعي الإسلام ، والله لا يهدي القوم الظالمين ، يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم ، والله متم نوره ولو كره الكافرون } .

3- ثم وجه –سبحانه- نداء إلى المؤمنين ، دعاهم فيه –بأبلغ أسلوب- إلى الجهاد في سبيله ، بالأنفس والأموال ، وحضهم على أن يقتدوا بالحواريين فقال : { يأيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله كما قال عيسى ابن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله ، قال الحواريون نحن أنصار الله ، فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم ، فأصبحوا ظاهرين } .

4- وهكذا نجد السورة الكريمة تفتتح بتنزيه الله –تعالى- عن كل نقص ، وتنهي عن أن تكون الأقوال مخالفة للأفعال ، وتبشر الذين يجاهدون في سبيل الله –تعالى- بمحبته ورضوانه ، وتذم الذين آذوا رسل الله –تعالى- وأنكروا نبوتهم بعد أن جاءوهم بالبينات ، وترشد إلى التجارة الرابحة التي توصل إلى الفوز العظيم .

نسأل الله –تعالى- أن يجعلنا جميعا من الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

القاهرة – مدينة نصر

2 من رمضان 1406 ه 10/5/1986 م .

د . محمد سيد طنطاوي .

افتتحت سورة " الصف " - كما افتتحت قبلها سورة الحديد والحشر بتنزيه الله - تعالى - عن كل مالا يليق به .

أى : نزه الله - تعالى - وقدسه ، جميع ما فى السموات وجميع ما فى الأرض من مخلوقات ، وهو - عز وجل - { العزيز } الذى لا يغلبه غالب { الحكيم } فى كل أقواله وأفعاله .


[1]:- سورة إبراهيم: الآية 1.
 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الصف مدنية وآياتها أربع عشرة

هذه السورة تستهدف أمرين أساسيين واضحين في سياقها كل الوضوح ، إلى جانب الإشارات والتلميحات الفرعية التي يمكن إرجاعها إلى ذينك الأمرين الأساسيين :

تستهدف أولا أن تقرر في ضمير المسلم أن دينه هو المنهج الإلهي للبشرية في صورته الأخيرة ، سبقته صور منه تناسب أطوارا معينة في تاريخ البشرية ، وسبقته تجارب في حياة الرسل وحياة الجماعات ، تمهد كلها لهذه الصورة الأخيرة من الدين الواحد ، الذي أراد الله أن يكون خاتمة الرسالات . وأن يظهره على الدين كله في الأرض . .

ومن ثم يذكر رسالة موسى ليقرر أن قومه الذين أرسل إليهم آذوه وانحرفوا عن رسالته فضلوا ، ولم يعودوا أمناء على دين الله في الأرض : ( وإذ قال موسى لقومه : يا قوم لم تؤذونني وقد تعلمون أني رسول الله إليكم . فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم ، والله لا يهدي القوم الفاسقين ) . . وإذن فقد انتهت قوامة قوم موسى على دين الله ؛ فلم يعودوا أمناء عليه ، مذ زاغوا فأزاغ الله قلوبهم ، ومذ ضلوا فأضلهم الله والله لا يهدي القوم الفاسقين .

ويذكر رسالة عيسى ليقرر أنه جاء امتدادا لرسالة موسى ، ومصدقا لما بين يديه من التوراة ، وممهدا للرسالة الأخيرة ومبشرا برسولها ؛ ووصلة بين الدين الكتابي الأول والدين الكتابي الأخير : وإذ قال عيسى ابن مريم : يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم ، مصدقا لما بين يدي من التوراة ، ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد . . وإذن فقد جاء ليسلم أمانة الدين الإلهي التي حملها بعد موسى إلى الرسول الذي يبشر به .

وكان مقررا في علم الله وتقديره أن تنتهي هذه الخطوات إلى قرار ثابت دائم ، وأن يستقر دين الله في الأرض في صورته الأخيرة على يدي رسوله الأخير : ( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ) .

هذا الهدف الأول الواضح في السورة يقوم عليه الهدف الثاني . فإن شعور المسلم بهذه الحقيقة ، وإدراكه لقصة العقيدة ، ولنصيبه هو من أمانتها في الأرض . . يستتبع شعوره بتكاليف هذه الأمانة شعورا يدفعه إلى صدق النية في الجهاد لإظهار دينه على الدين كله - كما أراد الله - وعدم التردد بين القول والفعل ؛ ويقبح أن يعلن المؤمن الرغبة في الجهاد ثم ينكص عنه ، كما يبدو أنه حدث من فريق من المسلمين كما تذكر الروايات . . ومن ثم يجيء في مطلع السورة بعد إعلان تسبيح الكون وما فيه لله . . ( يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون ? كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون . إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص ) .

ثم يدعوهم في وسط السورة إلى أربح تجارة في الدنيا والآخرة : ( يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم ? تؤمنون بالله ورسوله ، وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم . ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون . يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ، ومساكن طيبة في جنات عدن ، ذلك الفوز العظيم . وأخرى تحبونها : نصر من الله وفتح قريب ، وبشر المؤمنين ) .

ثم يختم السورة بنداء أخير للذين آمنوا ، ليكونوا أنصار الله كما كان الحواريون أصحاب عيسى أنصاره إلى الله ، على الرغم من تكذيب بني إسرائيل به وعدائهم لله : ( يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله كما قال عيسى ابن مريم للحواريين : من أنصاري إلى الله ? قال الحواريون : نحن أنصار الله . فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة ، فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين ) . .

هذان الخطان واضحان في السورة كل الوضوح ، يستغرقان كل نصوصها تقريبا . فلا يبقى إلا التنديد بالمكذبين بالرسالة الأخيرة - وهذه قصتها وهذه غايتها - وهذا التنديد متصل دائما بالخطين الأساسيين فيها . وذلك قول الله تعالى ، عن رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] بعد ذكر تبشير عيسى - عليه السلام - به : ( فلما جاءهم بالبينات قالوا : هذا سحر مبين . ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب وهو يدعى إلى الإسلام ? والله لا يهدي القوم الظالمين . يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم ، والله متم نوره ، ولو كره الكافرون ) . .

وفيه يتضح في ضمير المسلم أن دينه هو دين الله في صورته الأخيرة في الأرض ؛ وأن أمانة العقيدة في البشرية كلها موكولة إليه ؛ يعلم أنه مكلف أن يجاهد في سبيل الله ، كما يحب الله ؛ ويتضح طريقه ، فلا يبقى في تصوره غبش ، ولا يبقى في حياته مجال للتمتمة والغمغمة في هذه القضية ، أو للتردد والتلفت عن الهدف المرسوم والنصيب المقسوم في علم الله وتقديره منذ بعيد .

وفي أثناء توجيهه إلى هذا الهدف الواضح يوجه كذلك إلى خلق المسلم وطبيعة ضميره . وهو أن لا يقول ما لا يفعل ، وألا يختلف له قول وفعل ، ولا ظاهر وباطن ، ولا سريرة وعلانية . وأن يكون هو نفسه في كل حال . متجردا لله . خالصا لدعوته . صريحا في قوله وفعله . ثابت الخطو في طريقه . متضامنا مع إخوانه . كالبنيان المرصوص . .

( سبح لله ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم ) . .

تجيء هذه التسبيحة من الوجود كله لله العزيز الحكيم ، في مطلع السورة التي تعلن للمسلمين أن دينهم هو الحلقة الأخيرة في دين الله ؛ وأنهم هم الأمناء على هذا الدين الذي يوحد الله ، وينكر على الكافرين المشركين كفرهم وشركهم ، والذي يدعوهم للجهاد لنصرته ، وقد قدر الله أن يظهره على الدين كله ولو كره المشركون . فيوحي هذا المطلع أن الأمانة التي يقوم عليها المسلمون هي أمانة الوجود كله ؛ وأن العقيدة التي يطلب إليهم الجهاد فيها هي عقيدة كل ما في السماوات وما في الأرض ؛ وأن ظهور هذا الدين على الدين كله ، هو ظاهرة كونية تتسق مع اتجاه الكون كله إلى الله العزيز الحكيم .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (1)

بسم الله الرحمَن الرحيم :

القول في تأويل قوله تعالى : { سَبّحَ لِلّهِ مَا فِي السّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ } .

يقول جلّ ثناؤه : سَبّحَ لِلّهِ ما فِي السّمَوَاتِ السبع وَما فِي الأرْضِ من الخلق ، مُذعنين له بالألوهة والربوبية وَهُوَ العَزِيزُ في نقمته ممن عصاه منهم ، فكفر به ، وخالف أمره الْحَكِيمُ في تدبيره إياهم .