تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَإِذَا فَرَغۡتَ فَٱنصَبۡ} (7)

ثم أمر الله رسوله أصلًا ، والمؤمنين تبعًا ، بشكره والقيام بواجب نعمه ، فقال :{ فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ } أي : إذا تفرغت من أشغالك ، ولم يبق في قلبك ما يعوقه ، فاجتهد في العبادة والدعاء .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَإِذَا فَرَغۡتَ فَٱنصَبۡ} (7)

وبعد هذا التعديد لتلك النعم العظيمة ، أمر الله - تعالى - نبيه صلى الله عليه وسلم بالاجتهاد فى العبادة فقال - تعالى - : { فَإِذَا فَرَغْتَ فانصب وإلى رَبِّكَ فارغب } .

وأصل الفراغ خول الإِناء مما بداخله من طعام أو غيره ، والمراد به هنا الخلو من الأعمال التى تشغل الإِنسان ، والنصب : التعب والاجتهاد فى تحصيل المطلوب .

أى : فإذا فرغت - أيها الرسول الكريم - من عمل من الأعمال ، فاجتهد فى مزاولة عمل آخر من الأعمال التى تقربك من الله - تعالى - ، كالصلاة ، والتهجد ، وقراءة القرآن الكريم .

واجعل رغبتك فى جميع أعمالك وعباداتك ، من أجل إرضاء ربك ، لا من أجل شيء آخر ، فهو وحده القادر على إبلاغك ما تريد ، وتحقيق آمالك .

فالمقصود بهاتين الآيتين حثه صلى الله عليه وسلم وحث أتباعه فى شخصه على استدامة العمل الصالح ، وعدم الانقطاع عنه ، مع إخلاص النية لله - تعالى - فإن المواظبة على الأعمال الصالحة مع الإخلاص فيها ، تؤدى إلى السعادة التى ليس بعدها سعادة .

ولقد استجاب صلى الله عليه وسلم لهذا الإِرشاد الحكيم ، " فقد قام الليل حتى تورمت قدماه ، وعندما سئل ما كل هذه العبادة ، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك ؟ قال : " أفلا أكون عبدا شكورا " .

وسار أصحابه من بعده على هذا الهدى القويم : فعمروا حياتهم بالباقيات الصالحات من الأعمال ، دون أن يكون للفراغ السيء مكان فى حياتهم ، بل واصلوا الجهاد بالجهاد ، وأعمال البر بمثلها .

ومن أقوال عمر بن الخطاب - رضى الله عنه - : إنى لأكره لأحدكم أن يكون خاليا ، لا فى عمل دنيا ولا دين " .

وفى رواية أنه قال : " إنى لأنظر إلى الرجل فيعجبني ، فإذا قيل : إنه لا عمل له سقط من عينى " .

نسأل الله - تعالى - أن يجعلنا جميعا ممن يعمرون أوقاتهم بالأعمال الصالحة ، والخالصة لوجهه الكريم .

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَإِذَا فَرَغۡتَ فَٱنصَبۡ} (7)

ثم يجيء التوجيه الكريم لمواقع التيسير ، وأسباب الانشراح ، ومستودع الري والزاد في الطريق الشاق الطويل : ( فإذا فرغت فانصب . وإلى ربك فارغب ) . .

إن مع العسر يسرا . . فخذ في أسباب اليسر والتيسير . فإذا فرغت من شغلك مع الناس ومع الأرض ، ومع شواغل الحياة . . إذا فرغت من هذا كله فتوجه بقلبك كله إذن إلى ما يستحق أن تنصب فيه وتكد وتجهد . . العبادة والتجرد والتطلع والتوجه . .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَإِذَا فَرَغۡتَ فَٱنصَبۡ} (7)

وقوله : فَإذَا فَرَغْتَ فانْصَبْ اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معناه : فإذا فرغت من صلاتك ، فانصب إلى ربك في الدعاء ، وسله حاجاتك . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، في قوله : فَإذَا فَرَغْتَ فانْصبْ يقول : في الدعاء .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : فَإذَا فَرَغْتَ فانْصَبْ يقول : فإذا فرغت مما فُرض عليك من الصلاة فسل الله ، وارغب إليه ، وانصَب له .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : فَإذَا فَرَغْتَ فانْصَبْ قال : إذا قمت إلى الصلاة فانصَب في حاجتك إلى ربك .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : فَإذَا فَرَغْتَ فانْصَبْ يقول : من الصلاة المكتوبة قبل أن نسلّم ، فانصَب .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : فَإذَا فَرَغْتَ فانْصَبْ وَإلى رَبّكَ فارْغَبْ قال : أمره إذا فرغ من صلاته أن يبالغ في دعائه .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : فَإذَا فَرَغْتَ من صلاتك فانْصَبْ في الدعاء .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : فَإذَا فَرَغْتَ من جهاد عدوّك فانْصَبْ في عبادة ربك . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : قال الحسن في قوله : فَإذَا فَرَغْتَ فانْصَبْ قال : أمره إذا فرغ من غزوه ، أن يجتهد في الدعاء والعبادة .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : فَإذَا فَرَغْتَ فانْصَبْ قال عن أبيه : فإذا فرغت من الجهاد ، جهاد العرب ، وانقطع جهادهم ، فانصَب لعبادة الله وَإلى رَبّكَ فارْغَبْ .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : فإذا فرغت من أمر دنياك ، فانصب في عبادة ربك . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مِهران ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد فَإذَا فَرَغْتَ فانْصَبْ قال : إذا فرغت من أمر الدنيا فانصَب ، قال : فصلّ .

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد فَإذَا فَرَغْتَ فانْصَبْ قال : إذا فرغت من أمر دنياك فانصَب ، فصلّ .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد ، في قوله : فَإذَا فَرَغْتَ قال : إذا فرغت من أمر الدنيا ، وقمت إلى الصلاة ، فاجعل رغبتك ونيتك له .

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ، قول من قال : إن الله تعالى ذكره ، أمر نبيه أن يجعل فراغه من كلّ ما كان به مشتغلاً ، من أمر دنياه وآخرته ، مما أدّى له الشغل به ، وأمره بالشغل به إلى النصب في عبادته ، والاشتغال فيما قرّبه إليه ، ومسألته حاجاته ، ولم يخصُصْ بذلك حالاً من أحوال فراغه دون حال ، فسواء كلّ أحوال فراغه ، من صلاة كان فراغه ، أو جهاد ، أو أمر دنيا كان به مشتغلاً ، لعموم الشرط في ذلك ، من غير خصوص حال فراغ ، دون حال أخرى .