تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي ٱلۡأَرۡضِ لِيُفۡسِدَ فِيهَا وَيُهۡلِكَ ٱلۡحَرۡثَ وَٱلنَّسۡلَۚ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلۡفَسَادَ} (205)

{ وَإِذَا تَوَلَّى } هذا الذي يعجبك قوله إذا حضر عندك { سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا } أي : يجتهد على أعمال المعاصي ، التي هي إفساد في الأرض { وَيُهْلِكَ } بسبب ذلك { الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ } فالزروع والثمار والمواشي ، تتلف وتنقص ، وتقل بركتها ، بسبب العمل في المعاصي ، { وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ } وإذا كان لا يحب الفساد ، فهو يبغض العبد المفسد في الأرض ، غاية البغض ، وإن قال بلسانه قولا حسنا .

ففي هذه الآية دليل على أن الأقوال التي تصدر من الأشخاص ، ليست دليلا على صدق ولا كذب ، ولا بر ولا فجور حتى يوجد العمل المصدق لها ، المزكي لها وأنه ينبغي اختبار أحوال الشهود ، والمحق والمبطل من الناس ، بسبر أعمالهم ، والنظر لقرائن أحوالهم ، وأن لا يغتر بتمويههم وتزكيتهم أنفسهم .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي ٱلۡأَرۡضِ لِيُفۡسِدَ فِيهَا وَيُهۡلِكَ ٱلۡحَرۡثَ وَٱلنَّسۡلَۚ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلۡفَسَادَ} (205)

ثم وصفه الله - تعالى - بصفة رابعة فقال : { وَإِذَا تولى سعى فِي الأرض لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الحرث والنسل والله لاَ يُحِبُّ الفساد } .

تولى : من التولية بمعنى الإِدبار والانصراف ، ومتعلق تولى محذوف تقديره : تولى عنك .

وسعى : من السعي وهو المشي السريع وهو مستعار هنا لإِيقاع الفتنة والتخريب . والفساد كما قال الراغب - خروج الشيء عن الاعتدال قليلا كان الخروج عنه أو كثيراً ، ويضاده الصلاح يقال فسد فساداً وفسوداً إذا خرج عن الاستقامة .

والحرث : مصدر يحرث ، أي : أثار الأرض لإعدادها للزراعة ، ثم أطلق وأريد به المحروث وهو الأرض ، ثم أطلق وأريد به ما يترتب على ذلك من الزروع والثمار وهو المراد هنا .

والنسل : كما يقول القرطبي - ما خرج من كل أنثى من ولد . وأصله الخروج والسقوط ، ومنه نسل الشعر ينسل إذا سقط . ومنه { حتى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ } أي : يخرجون مسرعين .

والمعنى : وإذا أعرض هذا النوع من الناس وولاك دبره أسرع في الإِفساد بينهم ، وتفريق كلمتهم ، وإتلاف كل ما يقع تحت يده من الزروع والثمار والحيوان وما به قوام الحياة والأحياء .

فإهلاك الحرث والنسل كناية عن إتلافه لما به قوام أحوال الناس ومعيشتهم ، وعن إيذائه الشديد لهم .

وبعض العلماء يرى أن " تولى " مشتق من الولاية : يقال : ولي البلد وتولاه ، أي صار والياً له ، أميراً عليه . والمعنى على هذا الرأي .

وإذا صار - هذا النوع من الناس - والياً على قوم اجتذبهم إليه ببريق قوله ، وبمعسول لفظه ، وبأيمانه الفاجرة ، ومجادلته الباطلة ، حتى إذا ما التف الناس حوله سعى بينهم بالفساد ، وعمل على تقاطعهم وتباغضهم ، وحكم فيهم بالباطل ، ظناً منه أن هذا الخلق وذلك السلوك سيجعلهم دائماً طوع إرادته .

قال الإِمام الرازي : والقول الأول أقرب إلى نظم الآية ، لأن المقصود بيان نفاق هذا النوع من الناس ، وهو أنه عند الحضور يقول الكلام الحسن ويظهر المحبة ، وعند الغيبة يسعى في إيقاع الفتنة والفساد .

وقوله { والله لاَ يُحِبُّ الفساد } أي لا يرضى عن الذي منه الإِفساد في الأرض ، ويظهر للناس الكلام الحسن وهو يبطن لهم الفعل السيء ، لأنه - سبحانه - أوجد الناس ليصلحوا في الأرض لا ليفسدوا فيها .

فالجملة الكريمة تحذير منه - سبحانه - للمفسدين ، ووعيد لهم على خروجهم عن طاعته .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي ٱلۡأَرۡضِ لِيُفۡسِدَ فِيهَا وَيُهۡلِكَ ٱلۡحَرۡثَ وَٱلنَّسۡلَۚ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلۡفَسَادَ} (205)

204

حتى إذا جاء دور العمل ظهر المخبوء ، وانكشف المستور ، وفضح بما فيه من حقيقة الشر والبغي والحقد والفساد :

( وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ، ويهلك الحرث والنسل ، والله لا يحب الفساد )

وإذا انصرف إلى العمل ، كانت وجهته الشر والفساد ، في قسوة وجفوة ولدد ، تتمثل في إهلاك كل حي من الحرث الذي هو موضع الزرع والإنبات والأثمار ، ومن النسل الذي هو امتداد الحياة بالإنسال . . وإهلاك الحياة على هذا النحو كناية عما يعتمل في كيان هذا المخلوق النكد من الحقد والشر والغدر والفساد . . مما كان يستره بذلاقة اللسان ، ونعومة الدهان ، والتظاهر بالخير والبر والسماحة والصلاح . . ( والله لا يحب الفساد ) ولا يحب المفسدين الذين ينشئون في الأرض الفساد . . والله لا تخفى عليه حقيقة هذا الصنف من الناس ؛ ولا يجوز عليه الدهان والطلاء الذي قد يجوز على الناس في الحياة الدنيا ، فلا يعجبه من هذا الصنف النكد ما يعجب الناس الذين تخدعهم الظواهر وتخفى عليهم السرائر .