{ 50 - 60 } { وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا }
إلى آخر القصة{[431]} أي : { و } أرسلنا { إِلَى عَادٍ } وهم القبيلة المعروفة في الأحقاف ، من أرض اليمن ، { أَخَاهُمْ } في النسب { هُودًا } ليتمكنوا من الأخذ عنه والعلم بصدقه .
ف { قَالَ } لهم { يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ } أي : أمرهم بعبادة الله وحده ، ونهاهم عما هم عليه ، من عبادة غير الله ، وأخبرهم أنهم قد افتروا على الله الكذب في عبادتهم لغيره ، وتجويزهم لذلك ، ووضح لهم وجوب عبادة الله ، وفساد عبادة ما سواه .
ثم تابعت السورة الكريمة حديثها عن قصة هود - عليه السلام - مع قومه ، بعد حديثها عن قصة نوح - عليه السلام - مع قومه ، فقال - تعالى - :
{ وإلى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً . . . } .
تلك هى قصة هود - عليه السلام - مع قومه كما حكتها هذه السورة ، وقد وردت قصته معهم فى سور أخرى منها : سورة الأعراف ، والشعراء ، والأحقاف .
وينتهى نسب هود إلى نوح - عليهما السلام - فهو - كما قال بعض المؤرخين - : هود بن عبد الله بن رباح بن الخلود بن عاد بن عوض بن إرم بن سام بن نوح " .
وقومه هم قبيلة عاد - نسبة إلى أبيهم الذى كان يسمى بهذا الاسم - ، وكانت مساكنهم بالأحقاف - جمع حقف وهو الرمل الكثير المائل - ، وهذا المكان يسمى الآن بالربع الخالى جنوب الجزيرة العربية .
وكان قوم هود - عليه السلام - يعبدون الأصنام ، فأرسله الله إليهم لهدايتهم .
ويقال إن هودا - عليه السلام - قد أرسله الله إلى عاد الأولى ، أما عاد الثانية فهم قوم صالح ، وبينهما زهاء مائة سنة .
وقوله - سبحانه - : { وإلى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ ياقوم اعبدوا الله مَا لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرُهُ . . } معطوف على قصة نوح التى سبق الحديث عنها .
أى : وكما أرسلنا نوحا إلى قومه ليأمرهم بعبادة الله وحده ، أرسلنا إلى قبيلة عاد أخاهم هوداً ، فقال لهم ما قاله كل نبى لقومه : { ياقوم اعبدوا الله مَا لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرُهُ . . } معطوف على قصة نوح التى سبق الحديث عنها .
أى : وكما أرسلنا نوحا إلى قومه ليأمرهم بعبادة الله وحده ، أرسلنا إلى قبيلة عاد أخاهم هوداً ، فقال لهم ما قاله كل نبى لقومه : { ياقوم اعبدوا الله مَا لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرُهُ } ووصفه - سبحانه - بأنه { أخاهم } لأنه من قبيلتهم فى النسب ، أو لأنه أخوهم فى الإِنسانية وناداهم بقوله : { ياقوم } زيادة في التلطف معهم ، استجلابا لقلوبهم ، وترضية لنفوسهم ، وجملة { مَا لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرُهُ } فى معنى العلة لما قبله .
أى : أنا آمركم بعبادة الله وحده ، لأنه ليس هناك إله آخر يستحق العبادة سواء ، فهو الذى خلقكم ورزقكم ، وهو الذى يحييكم ويميتكم .
ثم ختم - سبحانه - الآية بقوله : { إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ } .
والافتراء : الكذب المتعمد الذى لا شبهة لصاحبه فى النطق به .
أى : ما أنتم إلا معتمدون للكذب فى جعلكم الألوهية لغير الله - تعالى - .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَإِلَىَ عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَقَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُمْ مّنْ إِلََهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنتُمْ إِلاّ مُفْتَرُونَ } .
يقول تعالى ذكره : وأرسلنا إلى قوم عاد أخاهم هودا ، فقال لهم : يا قوم اعبدوا الله وحده لا شريك له دون ما تعبدون من دونه من الاَلهة والأوثان . ما لَكُمْ مِنْ إلهٍ غيرُهُ يقول : ليس لكم معبود يستحقّ العبادة عليكم غيره ، فأخلصوا له العبادة وأفردوه بالألوهة . إنْ أنْتُمْ إلاّ مُفْتَرُونَ يقول : ما أنتم في إشراككم معه الاَلهة والأوثان إلا أهل فرية مكذّبون ، تختلقون الباطل ، لأنه لا إله سواه .
{ وإلى عاد } عطف على قوله { إلى قومه } [ هود : 25 ] في قصة نوح{[6384]} ، و { عاد } قبيلة وكانت عرباً - فيما ذكر - و «هود » عليه السلام منهم ، وجعله { أخاهم } بحسب النسب والقرابة ؛ فإن فرضناه ليس منهم فالأخوة بحسب المنشأ واللسان والجيرة . وأما قول من قال هي أخوة بحسب النسب الآدمي فضعيف .
عطف على { ولقد أرسَلنا نوحاً إلى قومه } [ هود : 25 ] ، فعطف { وإلى عاد } على { إلى قومه } [ هود : 25 ] ، وعطف { أخاهم } على { نوحاً } [ هود : 25 ] ، والتقدير : وأرسلنا إلى عاد أخاهم هوداً . وهو من العطف على معموليْ عامل واحد .
وتقديم المجرور للتنبيه على أن العطف من عطف المفردات لا من عطف الجمل لأن الجارّ لا بد له من متعلّق ، وقضاءً لحق الإيجاز ليُحْضَر ذكر عَاد مرتين بلفظه ثم بضميره .
ووصف ( هود ) بأنه أخو عاد لأنه كان من نسبهم كما يقال : يا أخا العرب ، أي يا عربي .
وتقدم ذكر عاد وهود في سورة الأعراف .
وجملة { قال } مبينة للجملة المقدّرة وهي { أرسلنا } [ هود : 25 ] .
ووجه التصريح بفعل القول لأن فعل ( أرسلنا ) محذوف ، فلو بين بجملة { يا قوم اعبدوا } كما بين في قوله : { ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه إني لكم نذير مبين } [ هود : 25 ] لكان بياناً لمعدوم وهو غير جليّ .
وافتتاح دعوته بنداء قومه لاسترعاء أسماعهم إشارة إلى أهمية ما سيلقي إليهم .
وجملة { ما لكم من إله غيره } حال من ضمير { اعبدوا } أو من اسم الجلالة . والإتيان بالحال الاستقصاد إبطال شركهم بأنّهم أشركوا غيره في عبادته في حال أنّهم لا إله لهم غيره ، أو في حال أنّه لا إله لهم غيره . وذلك تشنيع للشّرك .
وجملة { إن أنتم إلا مفترون } توبيخ وإنكار . فهي بيان لجملة { ما لكم من إله غيره } ، أي ما أنتم إلاّ كاذبون في ادّعاء إلهية غير الله تعالى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.