{ 38 } { إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ }
هذا إخبار ووعد وبشارة من الله ، للذين آمنوا ، أن الله يدافع عنهم كل مكروه ، ويدفع عنهم كل شر -بسبب إيمانهم- من شر الكفار ، وشر وسوسة الشيطان ، وشرور أنفسهم ، وسيئات أعمالهم ، ويحمل عنهم عند نزول المكاره ، ما لا يتحملون ، فيخفف عنهم غاية التخفيف . كل مؤمن له من هذه المدافعة والفضيلة بحسب إيمانه ، فمستقل ومستكثر .
{ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ } أي : خائن في أمانته التي حمله الله إياها ، فيبخس حقوق الله عليه ، ويخونها ، ويخون الخلق .
{ كَفُورٌ } لنعم الله ، يوالي عليه الإحسان ، ويتوالى منه الكفر والعصيان ، فهذا لا يحبه الله ، بل يبغضه ويمقته ، وسيجازيه على كفره وخيانته ، ومفهوم الآية ، أن الله يحب كل أمين قائم بأمانته ، شكور لمولاه .
وبعد هذا الحديث عن الشعائر والمناسك ، أذن - سبحانه - للمؤمنين بالقتال فى سبيله ، للدفاع عن دينه وشعائره ، ووعدهم - عز وجل - بالنصر متى نصروه وحافظوا على فرائضه . . . فقال - تعالى - : { إِنَّ الله . . . . } .
قال الفخر الرازى : اعلم أنه - تعالى - لما بين ما يلزم فى الحج ومناسكه وما فيه من منافع الدنيا والآخرة ، وما كان من صد الكفار عنه ، أتبع ذلك ببيان ما يزيل الصد . ويؤمن معه التمكن من الحج فقال - تعالى - { إِنَّ الله يُدَافِعُ عَنِ الذين آمنوا } .
ومفعول " يدافع " محذوف . وجاء التعبير بقوله - تعالى - { يُدَافِعُ } بصيغة المفاعلة ، للمبالغة فى الدفاع والدفع ، أو للدلالة على أن ذلك حاصر للمؤمنين كلما حصل من الكافرين عدوان عليهم .
أى : أن الله - تعالى - بفضله وكرمه يدافع عن المؤمنين أعداءهم وخصومه ، فيرد كيدهم فى نحورهم .
وصح أن يكون { يُدَافِعُ } بمعنى يدفع ، ويؤيده قراءة ابن كثير وأبى عمرو . أى : أن الله - تعالى - يدفع السوء عن عباده المؤمنين الصادقين ، ويجعل العاقبة لهم على أعداءهم .
فالجملة الكريمة بشارة للمؤمنين ، وتقوية لعزائمهم حتى يقبلوا على ما شرعه الله لهم من جهاد أعدائهم ، بثبات لا تردد معه ، وبأمل عظيم فى نصر الله وتأييده .
وقوله - سبحانه - : { إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ } تعليل لوعده - سبحانه - للمؤمنين بالدفاع عنهم ، وبجعل العاقبة لهم .
والخوان : هو الشديد الخيانة ، والكفور : هو المبالغ فى كفره وجحوده ، فاللفظان كلاهما صيغة مبالغة .
قال الآلوسى : وصيغة المبالغة فيهما لبيان أن المشركين كذلك ، لا للتقييد المشعر بمحبة الخائن والكافر . . . .
أى : إن الله - تعالى - يدافع عن المؤمنين لمحبته لهم ، ويبغض هؤلاء الكافرين الذين بلغوا فى الخيانة والكفر اقصى الدركات .
وأوثر التعبير بقوله - تعالى - { لاَ يُحِبُّ } على قوله : يبغض أو يكره ، للإشعار بأن المؤمنين هم أحباء الله - تعالى - ، وللتعريض بهؤلاء الكافرين الذين تجاوزوا كل حد فى كراهيتهم لأهل الحق .
القول في تأويل قوله تعالى : { إِنّ اللّهَ يُدَافِعُ عَنِ الّذِينَ آمَنُوَاْ إِنّ اللّهَ لاَ يُحِبّ كُلّ خَوّانٍ كَفُورٍ } .
يقول تعالى ذكره : إن الله يدفع غائلة المشركين عن الذين آمنوا بالله وبرسوله ، إن الله لا يحبّ كلّ خوان يخون الله فيخالف أمره ونهيه ويعصيه ويطيع الشيطان كَفُورٍ يقول : جَحود لنعمه عنده ، لا يعرف لمنعمها حقه فيشكره عليها . وقيل : إنه عني بذلك دفع الله كفار قريش عمن كان بين أظهرهم من المؤمنين قبل هجرتهم .
استئناف بياني جواباً لسؤال يخطر في نفوس المؤمنين ينشأ من قوله تعالى : { إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله } الآية ، فإنه توعّد المشركين على صدّهم عن سبيل الله والمسجد الحرام بالعذاب الأليم ، وبشّر المؤمنين المخبِتين والمحسنين بما يتبادر منه ضد وعيد المشركين وذلك ثواب الآخرة . وطال الكلام في ذلك بما تبعه لا جرم تشوفت نفوس المؤمنين إلى معرفة عاقبة أمرهم في الدنيا ، وهل يُنتصر لهم من أعدائهم أو يدّخر لهم الخير كله إلى الدار الآخرة . فكان المقام خليقاً بأن يُطَمئنَ الله نفوسهم بأنه كما أعد لهم نعيم الآخرة هو أيضاً مدافع عنهم في الدنيا وناصرهم ، وحُذف مفعول { يدافع } لدلالة المقام .
فالكلام موجه إلى المؤمنين ، ولذلك فافتتاحه بحرف التوكيد إما لمجرد تحقيق الخبر ، وإما لتنزيل غير المتردد منزلة المتردّد لشدة انتظارهم النصر واستبطائهم إياه .
والتعبير بالموصول لما فيه من الإيماء إلى وجه بناء الخبر وأن دفاع الله عنهم لأجل إيمانهم .
وقرأ الجمهور لفظ { يدافع } بألف بعد الدال فيفيد قوّة الدفع . وقرأه أبو عمرو ، وابن كثير ، ويعقوب { يدفع } بدون ألف بعد الدال .
وجملة { إن الله لا يحب كل خوان كفور } تعليل لتقييد الدفاع بكونه عن الذين آمنوا ، بأن الله لا يحب الكافرين الخائنين ، فلذلك يَدفع عن المؤمنين لردّ أذَى الكافرين : ففي هذا إيذان بمفعول { يدافع } المحذوف ، أي يدافع الكافرين الخائنين .
والخوّان : الشديد الخَوْن ، والخون كالخيانة ، الغدْر بالأمانة ، والمراد بالخوّان الكافر ، لأن الكفر خيانة لعهد الله الذي أخذه على المخلوقات بأن يوحدوه فجعله في الفطرة وأبلغه الناسَ على ألسنة الرسل فنبه بذلك ما أودعهم في فطرتهم .
والكفُور : الشديد الكفر : وأفادت ( كلّ ) في سياق النفي عمومَ نفي مَحبة الله عن جميع الكافرين إذ لا يحتمل المقام غير ذلك . ولا يتوهم من قوله { لا يحب كل خوان } أنه يحب بعض الخوانين لأن كلمة ( كلّ ) اسم جامد لا يشعر بصفة فلا يتوهم توجه النفي إلى معنى الكلية المستفاد من كلمة { كل } وليس هو مثل قوله تعالى : { وما ربك بظلام للعبيد } [ فصلت : 46 ] الموهم أن نفي قوّة الظلم لا يقتضي نفي قليل الظلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.