تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِذۡ قَالَ لَهُۥ رَبُّهُۥٓ أَسۡلِمۡۖ قَالَ أَسۡلَمۡتُ لِرَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (131)

{ إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ } امتثالا لربه { أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ } إخلاصا وتوحيدا ، ومحبة ، وإنابة فكان التوحيد لله نعته .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{إِذۡ قَالَ لَهُۥ رَبُّهُۥٓ أَسۡلِمۡۖ قَالَ أَسۡلَمۡتُ لِرَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (131)

ثم بين الله تعالى كمال استقامة إبراهيم التي رفعته إلى المنازل العليا فقال تعالى { إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ العالمين } أي : أخلصت ديني لله الذي فطر الخلق جميعاً . كما حكى عنه القرآن الكريم نحو هذا القول في قوله تعالى : { إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السماوات والأرض حَنِيفاً وَمَآ أَنَاْ مِنَ المشركين }

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{إِذۡ قَالَ لَهُۥ رَبُّهُۥٓ أَسۡلِمۡۖ قَالَ أَسۡلَمۡتُ لِرَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (131)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ إِذْ قَالَ لَهُ رَبّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبّ الْعَالَمِينَ }

يعني تعالى ذكره بقوله : { إذْ قَالَ لَهُ رَبّهُ أسْلِمْ } إذ قال له ربه : أخلص لي العبادة ، واخضع لي بالطاعة ، وقد دللنا فيما مضى على معنى الإسلام في كلام العرب ، فأغنى عن إعادته .

وأما معنى قوله : { قَالَ أسْلَمْت لِرَبّ العَالَمِينَ } فإنه يعني تعالى ذكره : قال إبراهيم مجيبا لربه : خضعت بالطاعة ، وأخلصت بالعبادة لمالك جميع الخلائق ومدبرها دون غيره .

فإن قال قائل : قد علمت أن «إذْ » وقت فما الذي وُقّت به ، وما الذي صلة ؟ قيل : هو صلة لقوله : { وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدّنْيَا } . وتأويل الكلام : ولقد اصطفيناه في الدنيا حين قال له ربه أسلم ، قال : { أسلمت لربّ العالمين } . فأظهر اسم «الله » في قوله : إِذْ قَالَ لَهُ رَبّهُ أسْلِمْ على وجه الخبر عن غائب ، وقد جرى ذكره قبل على وجه الخبر عن نفسه ، كما قال خُفاف بن ندبة :

أقُول لَهُ وَالرّمْحُ يأطُرُ مَتْنُهُ تأمّلْ خُفافا إنّنِي أنا ذَالِكَا

فإن قال لنا قائل : وهل دعا الله إبراهيم إلى الإسلام ؟ قيل له : نعم ، قد دعاه إليه . فإن قال : وفي أيّ حال دعاه إليه ؟ قيل : حين قال : { يا قَوْمِ إِنِي بَرِيءٌ مِمّا تُشْرِكُونَ ، إنّي وَجّهْتُ وجْهِيَ لِلّذِي فَطَرَ السّمَوَاتِ وَاَلأرْضِ حَنِيفا ، وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ } ، وذلك هو الوقت الذي قال له ربه أسلم من بعد ما امتحنه بالكواكب والقمر والشمس .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{إِذۡ قَالَ لَهُۥ رَبُّهُۥٓ أَسۡلِمۡۖ قَالَ أَسۡلَمۡتُ لِرَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (131)

{ إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين } ظرف ل{ اصطفيناه } ، أو تعليل له ، أو منصوب بإضمار اذكر . كأنه قيل : اذكر ذلك الوقت لتعلم أنه المصطفى الصالح المستحق للإمامة والتقدم ، وأنه نال ما نال بالمبادرة إلى الإذعان وإخلاص السر حين ، دعاه ربه وأخطر بباله دلائله المؤدية إلى المعرفة الداعية إلى الإسلام . روي أنها نزلت لما دعا عبد الله بن سلام ابني أخيه : سلمة ومهاجرا إلى الإسلام ، فأسلم سلمة وأبي مهاجر .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِذۡ قَالَ لَهُۥ رَبُّهُۥٓ أَسۡلِمۡۖ قَالَ أَسۡلَمۡتُ لِرَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (131)

{ إذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ }( 131 )

وقوله تعالى : { إذ قال له ربه أسلم } ، العامل في { إذ } { اصطفيناه } ، وكان هذا القول من الله حين ابتلاه بالكوكب والقمر والشمس( {[1280]} ) . والإسلام هنا على أتم وجوهه( {[1281]} ) .


[1280]:- يعني حين ابتلائه بذلك وإطلاعه على أمارات الحدوث فيها، وأنه لا بد لها من مدير يدير أمرها ويسير أحوالها فعند ذلك قال الله له: أسلم، قال: (أسلمت لرب العالمين، إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين).
[1281]:- ذلك أنه ليس كل إسلام إيمانا، ودليل ذلك قوله تعالى: (قالت الأعراب آمنا، قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا) الآية. وقوله صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم لسعد بن أبي وقاص لما قال له: أعط فلانا فإنه مؤمن، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أو مسلم). وفي المراصد: ويتساوى مؤمن ومســـلم في الصدق للزوم شرعا فاحكم وإن تراع فيهما المفهوما كان التغاير به مــــحـكــــــوما
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{إِذۡ قَالَ لَهُۥ رَبُّهُۥٓ أَسۡلِمۡۖ قَالَ أَسۡلَمۡتُ لِرَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (131)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{إذ قال له ربه أسلم}: أخلص،

{قال أسلمت}: أخلصت {لرب العالمين}...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

{إذْ قَالَ لَهُ رَبّهُ أسْلِمْ} إذ قال له ربه: أخلص لي العبادة، واخضع لي بالطاعة...

{قَالَ أسْلَمْت لِرَبّ العَالَمِينَ}... قال إبراهيم مجيبا لربه: خضعت بالطاعة، وأخلصت بالعبادة لمالك جميع الخلائق ومدبرها دون غيره.

فإن قال قائل: قد علمت أن «إذْ» وقت فما الذي وُقّت به، وما الذي صلته؟ قيل: هو صلة لقوله: {وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدّنْيَا}. وتأويل الكلام: ولقد اصطفيناه في الدنيا حين قال له ربه أسلم، قال: {أسلمت لربّ العالمين}. فأظهر اسم «الله» في قوله: إِذْ قَالَ لَهُ رَبّهُ أسْلِمْ على وجه الخبر عن غائب، وقد جرى ذكره قبل على وجه الخبر عن نفسه.

فإن قال لنا قائل: وهل دعا الله إبراهيم إلى الإسلام؟ قيل له: نعم، قد دعاه إليه. فإن قال: وفي أيّ حال دعاه إليه؟ قيل: حين قال: {يا قَوْمِ إِنِي بَرِيءٌ مِمّا تُشْرِكُونَ، إنّي وَجّهْتُ وجْهِيَ لِلّذِي فَطَرَ السّمَوَاتِ وَاَلأرْضِ حَنِيفا، وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ}، وذلك هو الوقت الذي قال له ربه أسلم من بعد ما امتحنه بالكواكب والقمر والشمس.

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

الإسلام واجب على كل مكلف، وإن اختلفت شرائع الأنبياء فيما يتعبدون من الحلال والحرام لقوله تعالى: {إن الدين عند الله الإسلام}. وإن الإسلام إنما هو الإخلاص لله بالعمل بطاعته واجتناب معصيته، وذلك واجب على كل متعبد، وكله إسلام.

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

الإسلام هو الإخلاص وهو الاستسلام، وحقيقته الخروج عن أحوال البشرية بالكلية من منازعات الاختيار ومعارضات النفس، قال: {أسلمت لرب العالمين}: قابلت الأمر بالسمع والطاعة، واعتنقت الحكم على حسب الاستطاعة. ولم يدخل شيئًا من ماله وبدنه وولده، وحين أُمِرَ بذبح الولد قصد الذبح، وحين قال له خلِّه من الأسر (عمل) ما أُمِرَ به، فلم يكن له في الحالين "اختيار "ولا تدبير.

ويقال إن قوله: {أسلمتُ}: ليس بدعوى من قِبَلِه لأن حقيقة الإسلام إنما هو التَّبري من الحَوْل والقوة، فإذا قال: {أسلمت} فكأنه قال أَقِمْني فيما كلفتني، وحَقِّق مني ما بِه أمرتني. فهو أحال الأمر عليه، لا لإظهار معنى أو ضمان شيء من قِبَلِ نفسه...

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

والإسلام هنا على أتم وجوهه...

لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن 741 هـ :

{إذ قال له ربه أسلم} أي استقم على الإسلام واثبت عليه لأنه كان مسلماً لأن الأنبياء إنما نشأوا على الإسلام والتوحيد.

البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :

ذكر شرف إبراهيم وطواعيته لربه، واختصاصه في زمانه بالإمامة، وصيرورته مقتدى به. ذكر أنه لا يرغب عن طريقته إلا خاسر الصفقة، لأنه المصطفى في الدنيا، الصالح في الآخرة. وختم ذلك بانقياده لأمر الله تعالى؛ فأول قصته إتمامه ما كلفه الله به، وآخرها التسليم لله، والانقياد إليه صلى الله على نبينا وعليه وسلم...

تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :

أمره الله بالإخلاص له والاستسلام والانقياد، فأجاب إلى ذلك شرعًا وقدرًا...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما ذكر إمامته ذكر ما يؤتم به فيه وهو سبب اصطفائه وصلاحه وذلك دينه، وما أوصى به عليه السلام بنيه، وما أوصى به بنوه بنيهم سلفاً لخلف ولا سيما يعقوب عليه السلام المنوه بنسبة أهل الكتاب إليه فقال: {إذ} أي اصطفيناه بعظمتنا لأنه {قال له ربه أسلم} أي لإحسان ربك إليك، وحذف المفعول ليتناول كل ما يصح إسلامه إلى المسلم إليه وقصره عليه وتخلى المسلم عنه {قال أسلمت لرب العالمين} أي المحسن إليّ وإلى جميع الخلائق...

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :

والالتفاتُ مع التعرض لعنوان الربوبيةِ والإضافةِ إليه عليه السلام لإظهارِ مزيدِ اللطفِ به والاعتناءِ بتربيته، وإضافةُ الرب في جوابه عليه الصلاة والسلام إلى

{العالمين} للإيذان بكمال قوةِ إسلامِه حيث أيقنَ حين النظر بشمولِ ربوبيتِه للعالمين قاطبةً لا لنفسِه وحده كما هو المأمور به...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

قوله: {إذْ قال له ربه أَسلم}، إذ هو ظرف لاصطفيناه وما عطف عليه، قصد من هذه الظرفية التخلُّص إلى منقبة أخرى، لأن ذلك الوقت هو دليل اصطفائه حيث خاطبه الله بوحي وأمره بما تضمنه قوله {أسْلِم} من معانٍ جماعها التوحيدُ والبراءةُ من الحول والقوة وإخلاصُ الطاعة، وهو أيضاً وقتُ ظهور أن الله أراد إصلاح حاله في الآخرة إذ كلٌّ مُيسَّر لما خلق له...

زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :

ونقول في ذلك أيضا إن الآية لبيان مقام إبراهيم عليه السلام في الاستجابة لأمر ربه، وخلوص نفسه إذ أمره بذلك فاستجاب فورا قائلا أسلمت لرب العالمين، فهذا النص لبيان مدى استجابة خليل الله تعالى لربه غير متردد، ولا متلكئ، ولكن صار إبراهيم يقول: أسلمت أي خلصت نفسي وجعلتها لرب العالمين، أي لخالق العالمين والقائم عليهم وربهم وكالئهم، وإن ذلك شكر له، فهو في ذلك شاكر لأنعم الله تعالى كحاله دائما...

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

والله سبحانه وتعالى يريد أن يلفتنا إلى أنه قال لإبراهيم أسلم فقال أسلمت.. إذن فمطلوب الحق سبحانه وتعالى من عبده أن يسلم إليه.. ولم يقل الحق أسلم إلي لأنها مفهومة. ولم يقل أسلم لربك لأن الإسلام لا يكون إلا لله لأنه هو سبحانه المأمون علينا.. على أن إبراهيم عليه السلام قال في رده: {أسلمت لرب العالمين}. ومعنى ذلك أنه لن يكون وحده في الكون لأنه إذا أسلم لله الذي سخر له ما في السماوات والأرض.. يكون قد انسجم مع الكون المخلوق من الله للإنسان.. ومن أكثر نضجاً في العقل ممن يسلم وجهه لله سبحانه.. لأنه يكون بذلك قد أسلمه إلى عزيز حكيم قوي لا يقهر، قادر لا تنتهي قدرته.. غالب لا يغلب، رزاق لا يأتي الرزق إلا منه. فكأنه أسلم وجهه للخير كله.

والدين عند الله سبحانه وتعالى منذ عهد آدم إلى يوم القيامة... والله جل جلاله يريد من الإنسان أن يسلم قيادته لله.. بأن يجعل اختياراته في الدنيا لما يريده الله تبارك وتعالى... وفي هذه الحالة يكون قد انسجم مع الكون كله، وتجد أن الكون يخدمه ويعطيه وهو سعيد. أما من يسلم وجهه لغير الله فقد اعتمد على قوي يمكن أن يضعف، وعلى غني يمكن أن يفتقر.. وعلى موجود يمكن أن يموت ويصبح لا وجود له. ولذلك فهو في هذه الحالة يتصف بالسفاهة لأنه اعتمد على الضار وترك النافع.