تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلۡحَقِّ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلصَّبۡرِ} (3)

إلا من اتصف بأربع صفات :

الإيمان بما أمر الله بالإيمان به ، ولا يكون الإيمان بدون العلم ، فهو فرع عنه لا يتم إلا به .

والعمل الصالح ، وهذا شامل لأفعال الخير كلها ، الظاهرة والباطنة ، المتعلقة بحق الله وحق عباده{[1476]} ، الواجبة والمستحبة .

والتواصي بالحق ، الذي هو الإيمان والعمل الصالح ، أي : يوصي بعضهم بعضًا بذلك ، ويحثه عليه ، ويرغبه فيه .

والتواصي بالصبر على طاعة الله ، وعن معصية الله ، وعلى أقدار الله المؤلمة .

فبالأمرين الأولين ، يكمل الإنسان{[1477]}  نفسه ، وبالأمرين الأخيرين يكمل غيره ، وبتكميل الأمور الأربعة ، يكون الإنسان قد سلم من الخسار ، وفاز بالربح [ العظيم ] .


[1476]:- في ب: بحقوق الله وحقوق عباده.
[1477]:- في ب: العبد.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلۡحَقِّ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلصَّبۡرِ} (3)

وقوله - سبحانه - : { إِلاَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات . . . } استثناء مما قبله ، والمقصود بهذه الآية الكريمة تسلية المؤمنين الصادقين . . وتبشيرهم بأنهم ليسوا من هذا الفريق الخاسر .

وقوله - تعالى - : { وَتَوَاصَوْاْ } فعل ماض ، من الوصية ، وهي تقديم النصح للغير مقرونا بالوعظ .

و " الحق " : هو الأمر الذى ثبتت صحته ثبوتا قاطعا . .

و " الصبر " : قوة فى النفس تعينها على احتمال المكاره والمشاق .

أي : إن جميع الناس فى خسران ونقصان . . إلا الذين آمنوا بالله - تعالى - إيمانا حقا ، وعملوا الأعمال الصالحات ، من صلاة وزكاة وصيام وحج . . وغير ذلك من وجوه الخير ، وأوصى بعضهم بعضا بالتمسك بالحق ، الذى على رأسه الثبات على الإِيمان وعلى العمل الصالح . . وأوصى بعضهم بعضا كذلك بالصبر على طاعة الله - تعالى - ، وعلى البلايا والمصائب والآلام . . التى لا تخلو عنها الحياة .

فهؤلاء المؤمنون الصادقون ، الذين أوصى بعضهم بعضا بهذه الفضائل ليسوا من بين الناس الذين هم فى خسران ونقصان ؛ لأن إيمانهم الصادق وعملهم الصالح . . قد حماهم من الخسران . .

قال بعض العلماء : وقد اشتملت هذه السورة الكريمة على الوعيد الشديد ، وذلك لأنه - تعالى - حكم بالخسارة على جميع الناس ، إلا من كان متصفا بهذه الأشياء الأربعة ، وهى : الإِيمان ، والعمل الصالح ، والتواصى بالحق ، والتواصى بالصبر ، فدل ذلك على أن النجاة معلقة بمجموع هذه الأمور ، وأنه كما يجب على الإِنسان أن يأتي من الأعمال ما فيه الخير والنفع ، يجب عليه - أيضا - أن يدعو غيره إلى الدين ، وينصحه بعمل الخير والبر ، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، ويحب لأخيه ما يحب لنفسه ، وأن يثبت على ذلك ، فلا يحيد عنه ، ولا يزحزحه عن الدعوة إليه ما يلاقيه من مشاق .

نسأل الله - تعالى - أن يجعلنا من أصحاب هذه الصفات .

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلۡحَقِّ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلصَّبۡرِ} (3)

{ إلاّ الّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ } يقول : إلاّ الذين صدّقوا الله ووحّدوه ، وأقرّوا له بالوحدانية والطاعة ، وعملوا الصالحات ، وأدّوا ما لزمهم من فرائضه ، واجتنبوا ما نهاهم عنه من معاصيه ، واستثنى الذين آمنوا عن الإنسان ؛ لأن الإنسان بمعنى الجمع ، لا بمعنى الواحد .

وقوله : { وَتَوَاصَوْا بالْحَقّ } يقول : وأوصى بعضهم بعضا بلزوم العمل بما أنزل الله في كتابه ، من أمره ، واجتناب ما نهى عنه فيه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة { وَتَوَاصَوْا بالْحَقّ } والحقّ : كتاب الله .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن الحسن { وَتَوَاصَوْا بالْحَقّ } قال : الحقّ كتاب الله .

حدثني عمران بن بكّار الكُلاعِيّ ، قال : حدثنا خطاب بن عثمان ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن سنان أبو رَوْح السّكونيّ ، حِمْصيّ لقيته بإرمينية ، قال : سمعت الحسن يقول في { وَتَوَاصَوْا بالْحَقّ } قال : الحقّ : كتاب الله .

وقوله : { وَتَوَاصَوْا بالصّبْرِ } يقول : وأوصى بعضهم بعضا بالصبر على العمل بطاعة الله . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة { وَتَوَاصَوْا بالصّبْرِ } قال : الصبر : طاعة الله .

حدثني عمران بن بكار الكُلاعي ، قال : حدثنا خطاب بن عثمان ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن سنان أبو روح ، قال : سمعت الحسن يقول في قوله { وَتَوَاصَوْا بالصّبْرِ } قال : الصبر : طاعة الله .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن الحسن { وَتَوَاصَوْا بالصّبْرِ } قال : الصبر : طاعة الله .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلۡحَقِّ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلصَّبۡرِ} (3)

{ إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات } فإنهم اشتروا الآخرة بالدنيا ، ففازوا بالحياة الأبدية ، والسعادة السرمدية ، { وتواصوا بالحق } الثابت الذي لا يصح إنكاره من اعتقاد أو عمل ، { وتواصوا بالصبر } عن المعاصي ، أو على الحق ، أو ما يبلو الله به عباده ، وهذا من عطف الخاص على العام للمبالغة ، إلا أن يخص العمل بما يكون مقصورا على كماله ، ولعله سبحانه وتعالى إنما ذكر سبب الربح دون الخسران اكتفاء ببيان المقصود ، وإشعارا بأن ما عد إما عد يؤدي إلى خسر ونقص حظ ، أو تكرما ، فإن الإبهام في جانب الخسر كرم .

ختام السورة:

عن النبي صلى الله عليه وسلم : " من قرأ سورة ( والعصر ) غفر الله له ، وكان ممن تواصوا بالحق وتواصوا بالصبر .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلۡحَقِّ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلصَّبۡرِ} (3)

و { الإنسان } اسم الجنس ، و «الخسر » : النقصان وسوء الحال ، وذلك بين غاية البيان في الكافر ؛ لأنه خسر الدنيا والآخرة ، وذلك هو الخسران المبين .

وأما المؤمن وإن كان في خسر دنياه في هرمه وما يقاسيه من شقاء هذه الدار ، فذلك معفو عنه في جنب فلاحه في الآخرة وربحه الذي لا يفنى ، ومن كان في مدة عمره في التواصي بالحق والصبر والعمل بحسب الوصاة فلا خسر معه ، وقد جمع له الخير كله ، وقرأ علي بن أبي طالب : «والعصر ونوائب الدهر إن الإنسان » ، وفي مصحف عبد الله : «والعصر لقد خلقنا الإنسان في خسر » ، وروي عن علي بن أبي طالب أنه قرأ «إن الإنسان لفي خسر وإنه فيه إلى آخر الدهر إلا الذين » ، وقرأ عاصم والأعرج : «لفي خسُر » بضم السين ، وقرأ سلام أبو المنذر : «والعصِر » بكسر الصاد ، «وبالصبر » بكسر الباء ، وهذا لا يجوز إلا في الوقف على نقل الحركة ، وروي عن أبي عمرو : «بالصبِر » بكسر الباء إشماماً ، وهذا أيضاً لا يكون إلا في الوقف . نجز تفسير سورة { العصر } .