فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلۡحَقِّ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلصَّبۡرِ} (3)

{ إِلاَّ الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات } أي جمعوا بين الإيمان بالله والعمل الصالح ، فإنهم في ربح لا في خسر ، لأنهم عملوا للآخرة ولم تشغلهم أعمال الدنيا عنها ، والاستثناء متصل ومن قال : إن المراد بالإنسان الكافر فقط ، فيكون منقطعاً ، ويدخل تحت هذا الاستثناء كل مؤمن ومؤمنة ، ولا وجه لما قيل من أن المراد الصحابة أو بعضهم ، فإن اللفظ عام لا يخرج عنه أحد ممن يتصف بالإيمان والعمل الصالح { وَتَوَاصَوْاْ بالحق } أي وصى بعضهم بعضاً بالحق الذي يحق القيام به ، وهو الإيمان بالله والتوحيد ، والقيام بما شرعه الله ، واجتناب ما نهى عنه . قال قتادة : { بالحق } : أي بالقرآن ، وقيل : بالتوحيد ، والحمل على العموم أولى . { وَتَوَاصَوْاْ بالصبر } أي بالصبر عن معاصي الله سبحانه والصبر على فرائضه . وفي جعل التواصي بالصبر قريناً للتواصي بالحق دليل على عظيم قدره وفخامة شرفه ، ومزيد ثواب الصابرين على ما يحق الصبر عليه : { إِنَّ الله مَعَ الصابرين } [ الأنفال : 46 ] وأيضاً التواصي بالصبر مما يندرج تحت التواصي بالحق ، فإفراده بالذكر وتخصيصه بالنص عليه من أعظم الأدلة الدالة على إنافته على خصال الحق ، ومزيد شرفه عليها ، وارتفاع طبقته عنها .

/خ3