إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلۡحَقِّ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلصَّبۡرِ} (3)

{ إِلاَّ الذين آمَنُوا وَعَمِلُوا الصالحات } فإنهمُ في تجارةٍ لنْ تبورَ ، حيثُ باعُوا الفانيَ الخسيسَ ، واشترَوا الباقيَ النفيسَ ، واستبدلُوا الباقياتِ الصالحاتِ بالعادياتِ الرائحاتِ ، فيا لهَا منْ صفقةٍ ما أربَحها ، وَهَذا بيانٌ لتكميلِهم لأنفسِهم ، وقولُه تعالَى : { وَتَوَاصَوا بالحق } الخ بيانُ لتكميلِهم لغيرِهم ، أيْ وَصَّى بعضُهم بعضاً بالأمرِ الثابتِ الذي لا سبيلَ إلى إنكارِه ، ولا زوالَ في الدارينِ لمحاسنِ آثارِه ، وهُو الخيرُ كُلُّه منَ الإيمانِ بالله عزَّ وجَلَّ ، واتباعِ كتبهِ ورسلِه في كُلِّ عقدٍ وعملٍ { وَتَوَاصَوا بالصبر } أيْ عنِ المعاصِي التي تشتاقُ إليها النفسُ بحكمِ الجِبلّةِ البشريةِ ، وعَلى الطاعاتِ التي يشقُّ عليَها أداؤُها ، أوْ عَلى ما يبلُو الله عَزَّ وجلَّ بهِ عبادَهُ ، وتخصيص هَذا التواصِي بالذكرِ مع اندراجِه تحتَ التواصِي بالحقِّ لإبرازِ كمالِ الاعتناءِ بهِ ، أو لأنَّ الأولَ عبارةٌ عن رتبةِ العبادةِ التي هيَ فعلُ ما يَرضى بهِ الله تعالَى ، والثانِي عن رتبةِ العبوديةِ التي هي الرِّضا بما فعلَ الله تعالَى ، فإنَّ المرادَ بالصبرِ ليسَ مجردَ حبسِ النفسِ عما تتشوقُ إليهِ من فعلٍ وتركٍ ؛ بلْ هُو تلقي ما وردَ منْه تعالَى بالجميلِ والرِّضا بهِ ظاهراً وباطناً .

ختام السورة:

عنْ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم «مَنْ قرأَ سورةَ ( والعصرِ ) غفرَ الله تَعَالَى لَهُ ، وكانَ ممنْ تواصَى بالحقِّ وتواصَى بالصبر » .