تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَيۡلٞ لِّكُلِّ هُمَزَةٖ لُّمَزَةٍ} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة الهمزة ، وهي مكية .

{ 1 - 9 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ * الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ * يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ * كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ * نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ * الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ * إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ * فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ }

{ وَيْلٌ } أي : وعيد ، ووبال ، وشدة عذاب { لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ } الذي يهمز الناس بفعله ، ويلمزهم بقوله ، فالهماز : الذي يعيب الناس ، ويطعن عليهم بالإشارة والفعل ، واللماز : الذي يعيبهم بقوله .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَيۡلٞ لِّكُلِّ هُمَزَةٖ لُّمَزَةٍ} (1)

مقدمة السورة:

بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير سورة الهمزة

مقدمة وتمهيد

1- سورة " الهُمَزة " من السور المكية ، وكان نزولها بعد سورة " القيامة " وقبل سورة " المرسلات " ، وعدد آياتها تسع آيات .

2- ومن أهم أغراضها : التهديد الشديد لمن يعيب الناس ، ويتهكم بهم ، ويتطاول عليهم ، بسبب كثرة ماله ، وجحوده للحق .

وقد ذكروا أن هذه السورة الكريمة نزلت في شأن جماعة من أغنياء المشركين ، منهم : الوليد بن المغيرة ، وأمية بن خلف ، وأبي بن خلف . . كانوا يؤذون النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، ويشيعون الأقوال السيئة عنهم .

وهذا لا يمنع أن السورة الكريمة تشمل أحكامها كل من فعل مثل هؤلاء المشركين ؛ إذ العبرة بعموم اللفظ ، لا بخصوص السبب .

الويل : لفظ يدل على الذم وعلى طلب العذاب والهلكة . . وقيل : اسم لواد فى جهنم .

والهُمَزة من الهَمْز ، بمعنى الطعن فى أعراض الناس ، ورميهم بما يؤذيهم . .

واللُّمَزة من اللمز ، بمعنى السخرية من الغير ، عن طريق الإِشارة باليد أو العين أو غيرهما .

قال الجمل : الهمزة واللمزة : هم المشاؤون بالنميمة ، المفرقون بين الأحبة ، الباغون العيب للبريء ، فعلى هذا هما بمعنى واحد .

وقيل : الهمزة الذي يعيبك فى الغيب ، واللمزة الذي يعيبك فى الوجه ، وقيل : العكس .

وحاصل هذه الأقوال يرجع إلى أصل واحد ، وهو الطعن وإظهار العيب ، ويدخل فى ذلك من يحاكي الناس في أقوالهم وأفعالهم وأصواتهم ليضحكوا منه . .

ولفظ " ويل " مبتدأ ، وساغ الابتداء مع كونه نكرة ؛ لأنه دعاء عليهم ، وقوله : { لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ } خبره ، وهمزة ولمزة وصفان لموصوف محذوف .

أي : عذاب شديد ، وخزي عظيم ، لكل من يطعن فى أعراض الناس ، ويغض من شأنهم ، ويحقر أعمالهم وصفاتهم ، وينسب إليهم ما هم برآء منه من عيوب .

والتعبير بقوله : { هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ } يدل على أن تلك الصفات القبيحة ، كانت عادة متأصلة فيهم ؛ لأن اللفظ الذي بزنة فُعَلَة - بضم الفاء وفتح العين - يؤتى به للدلالة على أن الموصوف به ديدنه ودأبه الإِتيان بهذا الوصف ، ومنه قولهم : فلان ضُحَكة : إذا كان يكثر من الضحك .

كما أن لفظ " فُعْلَة " - بضم الفاء وسكون العين - يؤتى به للدلالة على أن الموصوف به ، يكثر أن يفعل به ذلك ، ومنه قولهم : فلان ضُحْكة ، إذا كان الناس يكثرون الضحك منه .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَيۡلٞ لِّكُلِّ هُمَزَةٖ لُّمَزَةٍ} (1)

بسم الله الرحمَن الرحيم

القول في تأويل قوله تعالى : { وَيْلٌ لّكُلّ هُمَزَةٍ لّمَزَةٍ * الّذِى جَمَعَ مَالاً وَعَدّدَهُ * يَحْسَبُ أَنّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ * كَلاّ لَيُنبَذَنّ فِي الْحُطَمَةِ * وَمَآ أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ * نَارُ اللّهِ الْمُوقَدَةُ * الّتِي تَطّلِعُ عَلَى الأفْئِدَةِ * إِنّهَا عَلَيْهِم مّؤْصَدَةٌ * فِي عَمَدٍ مّمَدّدَةِ } .

يعني تعالى ذكره بقوله : { وَيْلٌ لِكُلّ هُمَزَةٍ } الوادي يسيل من صديد أهل النار وقيحهم ، لكلّ همزة : يقول : لكلّ مغتاب للناس ، يغتابهم ويغضهم ، كما قال زياد الأعجم :

تُدْلي بوُدّي إذا لاقَيْتَنِي كَذِبا *** وإنْ أُغَيّبْ فأنتَ الهامِزُ اللّمَزَهْ

ويعني باللّمَزة : الذي يعيب الناس ، ويطعن فيهم . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا مسروق بن أبان ، قال : حدثنا وكيع ، عن رجل لم يسمه ، عن أبي الجوزاء ، قال : قلت لابن عباس : مَنْ هؤلاء هم الذين بدأهم الله بالويل ؟ قال : هم المَشّاءون بالنميمة ، المفرّقون بين الأحبة ، الباغون أكبر العيب .

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا وكيع ، عن أبيه ، عن رجل من أهل البصرة ، عن أبي الجوزاء ، قال : قلت لابن عباس : من هؤلاء الذين ندبهم الله إلى الويل ؟ ثم ذكر نحو حديث مسروق بن أبان .

حدثنا ابن حُميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد { وَيْلٌ لِكُلّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ } قال : الهمزة يأكل لحوم الناس ، واللمزة : الطعان .

وقد رُوي عن مجاهد خلاف هذا القول ، وهو ما :

حدثنا به أبو كُرَيب ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد { وَيْلٌ لِكُلّ هُمَزَةٍ } قال : الهمزة : الطّعّان ، واللمزة : الذي يأكل لحوم الناس .

حدثنا مسروق بن أبان الحطاب ، قال : حدثنا وكيع ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

ورُوي عنه أيضا خلاف هذين القولين ، وهو ما :

حدثنا به ابن بشار ، قال : حدثنا يحيى ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد { وَيْلٌ لِكُلّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ } قال : أحدهما الذي يأكل لحوم الناس ، والآخر الطعان .

وهذا يدلّ على أن الذي حدّث بهذا الحديث قد كان أشكل عليه تأويل الكلمتين ، فلذلك اختلف نقل الرواة عنه ما رووا على ما ذكرت .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة { وَيْلٌ لِكُلّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ } أما الهمزة : فآكل لحوم الناس ، وأما اللمزة : فالطعان عليهم .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سعيد بن أبي عَروبة ، عن قتادة ، قال : الهمزة : آكل لحوم الناس : واللمزة : الطعان عليهم .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن ابن خثيم ، عن سعيد بن جُبير ، عن ابن عباس : { وَيْلٌ لِكُلّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ } قال : ويل لكلّ طعان مغتاب .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن أبي جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية ، قال : الهُمزة : يهمزه في وجهه ، واللمزة : من خلفه .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : يهمزه ويلمزه بلسانه وعينه ، ويأكل لحوم الناس ، ويطعن عليهم .

حدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : الهُمَزة باليد ، واللّمَزة باللسان .

وقال آخرون في ذلك ما :

حدثني به يونُس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قول الله : { وَيْلٌ لِكُلّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ } قال : الهمزة : الذي يهمز الناس بيده ، ويضربهم بلسانه ، واللمزة : الذي يلمزهم بلسانه ويعيبهم .

واختُلِف في المعنيّ بقوله : { وَيْلٌ لِكُلّ هُمَزَةٍ } فقال بعضهم : عُنِيَ بذلك : رجل من أهل الشرك بعينه ، فقال بعض من قال هذا القول : هو جميل بن عامر الجُمَحيّ . وقال آخرون منهم : هو الأخنس بن شريق . ذكر من قال : عُنِي به مشرك بعينه :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : { وَيْلٌ لِكُلّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ } قال : مشرك كان يَلْمِزُ الناس ويَهْمِزُهُمْ .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن رجل من أهل الرّقّة قال : نزلتْ في جميل بن عامر الجُمَحيّ .

حدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، في قوله { هُمَزَةٍ لُمَزَة } قال : ليست بخاصة لأحد ، نزلتْ في جميل بن عامر ، قال ورقاء : زعم الرقاشيّ .

وقال بعض أهل العربية : هذا من نوع ما تذكر العرب اسم الشيء العام ، وهي تقصد به الواحد ، كما يقال في الكلام ، إذا قال رجل لأحد : لا أزورك أبدا : كل من لم يزرني ، فلست بزائره ، وقائل ذلك يقصد جواب صاحبه القائل له : لا أزورك أبدا .

وقال آخرون : بل معنيّ به كلّ من كانت هذه الصفة صفته ، ولم يقصد به قصد آخر . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : { وَيْلٌ لِكُلّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ } قال : ليست بخاصة لأحد .

والصواب من القول في ذلك : أن يقال : إن الله عمّ بالقول كلّ همزة لمزة ، كلّ من كان بالصفة التي وصف هذا الموصوف بها ، سبيله سبيله كائنا من كان من الناس .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَيۡلٞ لِّكُلِّ هُمَزَةٖ لُّمَزَةٍ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الهمزة مكية ، وآيها تسع آيات .

بسم الله الرحمن الرحيم { ويل لكل همزة لمزة } الهمز الكسر كالهزم ، واللمز الطعن كاللهز ، فشاعا في الكسر من أعراض الناس والطعن فيهم ، وبناء فعله يدل على الاعتياد ، فلا يقال : ضحكة ولعنة إلا للمكثر المتعود . وقرئ ( همزة لمزة ) بالسكون على بناء المفعول ، وهو المسخرة الذي يأتي بالأضاحيك فيضحك منه ويشتم ، ونزولها في الأخنس بن شريق فإنه كان مغيابا ، أو في الوليد بن المغيرة واغتيابه رسول الله صلى الله عليه وسلم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَيۡلٞ لِّكُلِّ هُمَزَةٖ لُّمَزَةٍ} (1)

مقدمة السورة:

وهي مكية بلا خلاف .

{ ويل } لفظ يجمع الشر والحزن ، وقيل : { ويل } : واد في جهنم ، و «الهمزة » الذي يهمز الناس بلسانه ، أي يعيبهم ، ويغتابهم ، وقال ابن عباس : هو المشاء بالنميم{[11980]} .

قال القاضي أبو محمد : ليس به ، لكنهما صفتان تتلازم ، قال الله تعالى : { هماز مشاء بنميم }{[11981]} [ القلم : 11 ] ، وقال مجاهد : «الهمزة » الذي يأكل لحوم الناس ، وقيل لأعرابي : أتهمز إسرائيل ، فقال : إني إذاً لرجل سوء ، حسب أنه يقال له : أتقع في سبه ، و «اللمزة » قريب من المعنى في الهمزة ، قال الله تعالى : { ولا تلمزوا أنفسكم }{[11982]} [ الحجرات : 11 ] ، وقرأ ابن مسعود والأعمش والحسن : «ويل للهمزة اللمزة » ، وهذا البناء الذي هو فعلة يقتضي المبالغة في معناه ، قال أبو العالية والحسن : الهمز بالحضور واللمز بالمغيب ، وقال مقاتل ضد هذا ، وقال مرة : هما سواء ، وقال ابن أبي نجيح : الهمز باليد والعين ، واللمز باللسان ، وقال تعالى : { ومنهم من يلمزك في الصدقات }{[11983]} [ التوبة : 58 ] وقيل : نزلت هذه الآية في الأخنس بن شريق ، وقيل : في جميل بن عامر الجمحي ، ثم هي تتناول كل من اتصف بهذه الصفات .


[11980]:النميم: مصدر "نم" يقال: نم نميمة ونميما، وقيل: بل هي جمع "نميمة".
[11981]:الآية 11 من سورة القلم.
[11982]:من الآية 11 من سورة الحجرات.
[11983]:من الآية 58 من سورة التوبة.