الآية3 : ( وقوله تعالى ){[24031]} { إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات } الآية . لقائل أن يقول : كيف استثنى أهل الربح من أهل الخسران ، ولم يستثن أهل الخسران من أهل الربح ؟ فنقول : إن الإنسان لفي ربح إلا الذين كفروا ، واستثناء هذه الفرقة من تلك أولى في العقول من تلك .
والجواب عن هذا أن هذه الآية إنما نزلت بقرب من مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والقوم أجمعهم كانوا أهل كفر وخسار ، فكذلك وقع الاستثناء على ما ذكر ، إذ استثناء القليل من الكثير هو المستحسن عند أهل اللغة ، وإن كان الكثير في حد الجواز ، والقرآن في أعلى طبقات الكلام في الفصاحة .
ثم قوله تعالى : { إن الإنسان } اسم ( جنس ){[24032]} فكأنه أراد جميع الناس . ألا ترى أنه قال : { إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات } ؟ ولا تستثنى الجماعة من الفرد ، فكأنه يقول على هذا : إن الناس في أحوالهم واختياراتهم في خسر إلا من كانت تجارته في تلك الحالة ما ذكر .
وقوله تعالى : { وعملوا الصالحات } يحتمل أن يكون تأويله { الصالحات } التي كانت معروفة في الكفر والإسلام من حسن الأخلاق وغيره . ألا ترى أنه قال : { كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر } ؟ ( آل عمران : 110 ) يقول : المعروف ، هو المعروف الذي هو معروف في الطبع والعقل ، والمنكر الذي ينكره العقل ، وينفر عنه الطبع .
وإن كان المراد منه الكفر فكأنه قال : إن الكافرين في هلاك وخسران إلا من آمن بالله تعالى ورسله ، وعمل صالحا .
ثم في هذه الآية ذكر الذين آمنوا ، وعملوا الصالحات ، وكذلك ذكر الصالحات في سورة التين ( الآية : 6 ) ، وترك ذكر الصالحات في سورة البلد ، فكأن الله تعالى ( ترك ){[24033]} ذكر الصالحات في تلك السورة لما قد كان ذكرها بعد{[24034]} ذلك . ألا ترى إلى قوله تعالى : { أو إطعام في يوم ذي مسغبة } ؟ ( البلد : 14 ) وغير ذلك .
وقوله تعالى : { وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر } الحق في الأصل كل ما يحمد عليه فاعله ، والصبر ، هو الكف عن كل ما يذم عليه فاعله . فكان التواصي بالحق تواصيا بكل ما يحمد عليه ، والتواصي بالصبر تواصيا عن كل ما يذم عليه .
( ثم ){[24035]} ظاهر قوله تعالى : { والعصر } { إن الإنسان لفي خسر } { إلا الذين آمنوا } الآية ما يوجب أن من لم يجمع بين هذه الأشياء التي ذكر في هذه الآية { لفي خسر } ، فيكون ظاهره حجة للخوارج والمعتزلة ، إلا أن الانفصال عن هذا- والله أعلم- أن الله تعالى وعد الجنة لمن جمع هذه الأشياء التي ذكر في هذه الآية ، وذكر الإيمان مفردا في آية أخرى ، ووعد عليه الجنة ، فلا يخلو وعده الجنة عن الإيمان المفرد في تلك الآية من أحد وجهين :
إما أن يكون ذكر الإيمان مفردا ، وأراد به الاكتفاء عن ذكر الجملة ، فيكون في ذكر طرف منه ذكر لجملته .
( وإما أن ){[24036]} يكون في إيجاب الجنة له على مفرد الإيمان ، فالحال فيه موقوفة .
ولأن الله تعالى أوجب الجنة ، ولم ينف إيمانه عمن ينتقص عن ذلك ، فالحال فيه موقوفة على دليله .
وإذا كان كذلك لم يقطع القول على إيجاب الجنة لمن أتى بالإيمان مفردا على إيجاب النار ، فيكون السبيل فيه على الرجاء ؛ لأنه لو لم يذكره{[24037]} كان يقع به اليأس .
وأصل كل عبادة في الدنيا إنما بنيت على الرجاء والخوف ، فكذلك كان الأمر على ما وصفنا ، أو نقول بأن الله تعالى أوجب النار على من أتى بجميع السيئات ، ولم يكن فيه دليل على من أتى بالكفر وحده ، لا يستوجب به نارا . فكذلك الله سبحانه وتعالى وإن أوجب الجنة لمن جمع بين هذه الأعمال فلا يدل على من أتى بالإيمان وحده ، لا يستوجب الجنة .
وعلى أنه يجوز أن يكون استثناء كل من أتى بشيء من هذه الأعمال بالانفراد ، فيكون فيه استثناء كل طائفة من ذلك على حدة ، كأنه قال : { إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات } وإلا الذين { وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر } .
وإذا كان كذلك لا يكون حجة لهم ، وإذا أريد به الجمع يكون حجة ، فجاء التعارض والاحتمال ، فوجب التوقف .
ويحتمل أن يراد به الاعتقاد ، أي { إن الإنسان لفي خسر } { إلا الذين آمنوا } من آمن ، واعتقد هذه الأعمال الصالحة كقوله تعالى : { فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم } الآية : ( التوبة : 5 ) والله أعلم ( والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين ){[24038]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.