ولما كان الحكم على الجنس حكماً على الكلّ ؛ لأنهم ليس لهم من ذواتهم إلا ذلك ، وكان فيهم من خلصه الله تعالى مما طبع عليه الإنسان ، وحفظه عن الميل ، استثناهم بقوله عز من قائل : { إلا الذين آمنوا } أي : أوجدوا الإيمان ، وهو التصديق بما علم بالضرورة مجيء النبيّ صلى الله عليه وسلم به من توحيده سبحانه ، والتصديق بملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر . { وعملوا } أي : تصديقاً لما أقرّوا به من الإيمان { الصالحات } أي : هذا الجنس من إيقاع الأوامر واجتناب النواهي ، واشتروا الآخرة بالدنيا ، فلم يلههم التكاثر ، ففازوا بالحياة الأبدية والسعادة السرمدية ، فلم يلحقهم شيء من الخسران .
وقال ابن عباس في رواية أبي صالح : المراد بالإنسان الكافر ، وقال في رواية الضحاك : يريد به جماعة من المشركين : الوليد بن المغيرة ، والعاص بن وائل ، والأسود بن عبد المطلب . وقيل : لفي خسر غبن ، وقال الأخفش : لفي هلكة ، وقال الفراء : لفي عقوبة . وقال ابن زيد : لفي شرّ . وروى ابن عوف عن إبراهيم قال : أراد أن الإنسان إذا عمر في الدنيا وأهرم لفي ضعف ونقص وتراجع ، إلا المؤمنين فإنه يكتب لهم أجورهم التي كانوا يعملونها في حال شبابهم ، ونظيره قوله تعالى : { لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم 4 ثم رددناه أسفل سافلين 5 إلا الذين آمنوا } [ التين : 4 6 ] .
ولما كان الإنسان بعد كماله في نفسه بالأعمال لا ينتفي عنه مطلق الخسر إلا بتكميل غيره ، وحينئذ كان وارثاً ؛ لأنّ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بعثوا للتكميل ، قال تعالى مخصصاً لما دخل في الأعمال الصالحة منبهاً على عظمه : { وتواصوا } أي : أوصى بعضهم بعضاً بلسان الحال والمقال { بالحق } أي : الأمر الثابت ، وهو كل ما حكم الشرع بصحته ، ولا يسوغ إنكاره ، وهو الخير كله من توحيد الله تعالى وطاعته ، واتباع كتبه ورسله ، والزهد في الدنيا ، والرغبة في الآخرة ، { وتواصوا } أيضاً { بالصبر } عن المعاصي وعلى الطاعات ، وعلى ما يبتلي الله به عباده من الأمراض وغيرها .
ويروى عن أبيّ بن كعب أنه قال : قرأت على النبي صلى الله عليه وسلم ( والعصر ) ، ثم قلت : ما تفسيرها يا رسول الله ؟ فقال صلى الله عليه وسلم :«{ والعصر } قسم من الله ، أقسم ربكم بآخر النهار { إنّ الإنسان لفي خسر } أبو جهل { إلا الذين آمنوا } أبو بكر ، { وعملوا الصالحات } عمر { وتواصوا بالحق } عثمان ، { وتواصوا بالصبر } عليّ » . وهكذا خطب ابن عباس على المنبر موقوفاً عليه . وقال قتادة : بالحق ، أي : بالقرآن . وقال السدّي : الحق هنا الله عز وجل . وقول البيضاوي تبعاً للزمخشري عن النبيّ صلى الله عليه وسلم : «من قرأ سورة ( والعصر ) غفر الله له ، وكان ممن تواصى بالحق وتواصى بالصبر » . حديث موضوع .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.