السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلۡحَقِّ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلصَّبۡرِ} (3)

ولما كان الحكم على الجنس حكماً على الكلّ ؛ لأنهم ليس لهم من ذواتهم إلا ذلك ، وكان فيهم من خلصه الله تعالى مما طبع عليه الإنسان ، وحفظه عن الميل ، استثناهم بقوله عز من قائل : { إلا الذين آمنوا } أي : أوجدوا الإيمان ، وهو التصديق بما علم بالضرورة مجيء النبيّ صلى الله عليه وسلم به من توحيده سبحانه ، والتصديق بملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر . { وعملوا } أي : تصديقاً لما أقرّوا به من الإيمان { الصالحات } أي : هذا الجنس من إيقاع الأوامر واجتناب النواهي ، واشتروا الآخرة بالدنيا ، فلم يلههم التكاثر ، ففازوا بالحياة الأبدية والسعادة السرمدية ، فلم يلحقهم شيء من الخسران .

وقال ابن عباس في رواية أبي صالح : المراد بالإنسان الكافر ، وقال في رواية الضحاك : يريد به جماعة من المشركين : الوليد بن المغيرة ، والعاص بن وائل ، والأسود بن عبد المطلب . وقيل : لفي خسر غبن ، وقال الأخفش : لفي هلكة ، وقال الفراء : لفي عقوبة . وقال ابن زيد : لفي شرّ . وروى ابن عوف عن إبراهيم قال : أراد أن الإنسان إذا عمر في الدنيا وأهرم لفي ضعف ونقص وتراجع ، إلا المؤمنين فإنه يكتب لهم أجورهم التي كانوا يعملونها في حال شبابهم ، ونظيره قوله تعالى : { لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم 4 ثم رددناه أسفل سافلين 5 إلا الذين آمنوا } [ التين : 4 6 ] .

ولما كان الإنسان بعد كماله في نفسه بالأعمال لا ينتفي عنه مطلق الخسر إلا بتكميل غيره ، وحينئذ كان وارثاً ؛ لأنّ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بعثوا للتكميل ، قال تعالى مخصصاً لما دخل في الأعمال الصالحة منبهاً على عظمه : { وتواصوا } أي : أوصى بعضهم بعضاً بلسان الحال والمقال { بالحق } أي : الأمر الثابت ، وهو كل ما حكم الشرع بصحته ، ولا يسوغ إنكاره ، وهو الخير كله من توحيد الله تعالى وطاعته ، واتباع كتبه ورسله ، والزهد في الدنيا ، والرغبة في الآخرة ، { وتواصوا } أيضاً { بالصبر } عن المعاصي وعلى الطاعات ، وعلى ما يبتلي الله به عباده من الأمراض وغيرها .

ختام السورة:

ويروى عن أبيّ بن كعب أنه قال : قرأت على النبي صلى الله عليه وسلم ( والعصر ) ، ثم قلت : ما تفسيرها يا رسول الله ؟ فقال صلى الله عليه وسلم :«{ والعصر } قسم من الله ، أقسم ربكم بآخر النهار { إنّ الإنسان لفي خسر } أبو جهل { إلا الذين آمنوا } أبو بكر ، { وعملوا الصالحات } عمر { وتواصوا بالحق } عثمان ، { وتواصوا بالصبر } عليّ » . وهكذا خطب ابن عباس على المنبر موقوفاً عليه . وقال قتادة : بالحق ، أي : بالقرآن . وقال السدّي : الحق هنا الله عز وجل . وقول البيضاوي تبعاً للزمخشري عن النبيّ صلى الله عليه وسلم : «من قرأ سورة ( والعصر ) غفر الله له ، وكان ممن تواصى بالحق وتواصى بالصبر » . حديث موضوع .