فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلۡحَقِّ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلصَّبۡرِ} (3)

{ إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات } أي جمعوا بين الإيمان بالله والعمل الصالح ، فإنهم في ربح لا في خسر ؛ لأنهم عملوا للآخرة ، ولم تشغلهم أعمال الدنيا عنها ، والاستثناء متصل ، ومن قال : إن المراد بالإنسان الكافر فقط ، فيكون منقطعا ، ويدخل تحت هذا الاستثناء كل مؤمن ومؤمنة ، ولا وجه لما قيل : إن المراد الصحابة أو بعضهم ، فإن اللفظ عام لا يخرج عنه أحد ممن يتصف بالإيمان والعمل الصالح .

{ وتواصوا } أي أوصى{[1741]} بعضهم بعضا { بالحق } الذي يحق القيام به ، وهو الإيمان بالله ، والتوحيد ، والقيام بما شرعه الله ، واجتناب ما نهى عنه ، قال قتادة : { بالحق } أي بالقرآن ، وقيل : بالتوحيد ، والحمل على العموم أولى .

{ وتواصوا بالصبر } عن معاصي الله سبحانه ، وعلى فرائضه ، وعلى البلايا ، وفي جعل التواصي بالصبر قرينا للتواصي بالحق دليل على عظيم قدره ، وفخامة شرفه ، ومزيد ثواب الصابرين على ما يحق الصبر عليه ، إن الله مع الصابرين .

وأيضا التواصي بالصبر مما يندرج تحت التواصي بالحق ، فإفراده بالذكر وتخصيصه بالنص عليه من أعظم الأدلة الدالة على إنافته على خصال الحق ، ومزيد شرفه عليها ، وارتفاع طبقته عنها ، وكرر الفعل لاختلاف المفعولين .


[1741]:أشار إلى أن تواصوا فعل ماض لا أمر، ويؤخذ منه أن الوصية هي التقديم إلى الغير بما يعمل به مقرونا بوعظ ونصيحة من قولهم أرض واصية أي متصلة النبات، يقال قدمت إليه بكذا إذا أمرته قبل وقت الحاجة إلى الفعل،(سيد ذو الفقار أحمد).