قال تعالى ملزما لهم بذلك : { فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا } أي : من التوراة والقرآن { أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } ولا سبيل لهم ولا لغيرهم أن يأتوا بمثلهما ، فإنه ما طرق العالم منذ خلقه اللّه ، مثل هذين الكتابين ، علما وهدى ، وبيانا ، ورحمة للخلق ، وهذا من كمال الإنصاف من الداعي أن قال : أنا مقصودي الحق والهدى والرشد ، وقد جئتكم بهذا الكتاب المشتمل على ذلك ، الموافق لكتاب موسى ، فيجب علينا جميعا الإذعان لهما واتباعهما ، من حيث كونهما هدى وحقا ، فإن جئتموني بكتاب من عند اللّه هو أهدى منهما اتبعته ، وإلا ، فلا أترك هدى وحقا قد علمته لغير هدى وحق{[604]} .
ثم أمر الله - تعالى - رسوله صلى الله عليه وسلم أن يتحداهم ، وأن يفحمهم بما يخرس ألسنتهم فقال : { قُلْ فَأْتُواْ بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ الله هُوَ أهدى مِنْهُمَآ أَتَّبِعْهُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } .
أى : قل - أيها الرسول الكريم - لهؤلاء الجاحدين : لقد أنزل الله - تعالى - على موسى التوراة . وأنزل القرآن على ، وأنا مؤمن بهما كل الإيمان ، فإن كنتم أنتم مصرون على كفركم { فَأْتُواْ بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ الله هُوَ أهدى مِنْهُمَآ } أى هو أوضح منهما وأبين فى الإرشاد إلى الطريق المستقيم .
وقوله { أَتَّبِعْهُ } مجزوم فى جواب الأمر المحذوف ، أى : إن تأتوا به أتبعه . . { إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } فى زعمكم أن القرآن والتوراة نوع من السحر .
فالآية الكريمة تتهكم بهم ، وتسخر منهم ، بأسلوب بديع معجز ، لأنه من المعروف لكل عاقل أنهم ليسوا فى استطاعتهم - ولا فى استطاعة غيرهم - أن يأتوا بكتاب ، أهدى من الكتابين اللذين أنزلهما - سبحانه - على نبيين كريمين من أنبيائه ، هما موسى ومحمد - عليهما الصلاة والسلام - .
ولذا قال صاحب الكشاف ما ملخصه : وهذا الشرط يأتى به المدل بالأمر المتحقق لصحته ، لأن امتناع الإتيان بكتاب أهدى من الكتابين . أمر معلوم متحقق . لا مجال فيه للشك ، ويجوز أن يقصد بحرف الشك التهكم بهم .
القول في تأويل قوله تعالى : { قُلْ فَأْتُواْ بِكِتَابٍ مّنْ عِندِ اللّهِ هُوَ أَهْدَىَ مِنْهُمَآ أَتّبِعْهُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل يا محمد للقائِلين للتوراة والإنجيل : هما سحران تظاهرا : ائتوا بكتاب من عند الله ، هو أهدى منهما لطريق الحقّ ، ولسبيل الرشاد أتّبِعْهُ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فِي زعمكم أن هذين الكتابين سحران ، وأن الحقّ في غيرهما . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قال : فقال الله تعالى قُلْ فَأْتُوا بكِتابِ مِنْ عِنْدِ اللّهِ هُوَ أهْدَى مِنْهُما . . . الآية .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فقال الله ( ائْتُونِي بكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللّهِ هُوَ أهْدَى مِنْهُما ) من هذين الكتابين الذي بعث به موسى ، والذي بعث به محمد صلى الله عليه وسلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.