محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{قُلۡ فَأۡتُواْ بِكِتَٰبٖ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِ هُوَ أَهۡدَىٰ مِنۡهُمَآ أَتَّبِعۡهُ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (49)

ثم أشار تعالى إلى أن الآية العظمى للنبي صلوات الله عليه ، وهي الآيات النفسية العلمية ، لا الكونية الآفاقية التي كانت لغيره ، جريا على سنة الارتقاء . فإن النوع الإنساني كان ، لما جاء الإسلام قد استعد إلى معرفة الحق من الباطل بالبرهان ، والتمييز بين الخير والشر بالدليل والحجة . وكان لا بد له في هذا الطور من معلم ومرشد ، كما في الأطوار الأخرى ، أرسل الله إليه رسولا يهديه إلى طرق النظر والاستدلال ، ويأمره بأن يرفض التقليد البحت والتسليم الأعمى . وأن لا يأخذ شيئا إلا بدليل وبرهان ، يوصل إلى العلم . فكانت عمدته صلى الله عليه وسلم في الاستدلال على نبوته ورسالته نفسه الكريمة ، وما جاء به من النور والهدى ، كالطبيب الذي يستدل على إتقانه صناعة الطب ، بما يبديه من العلم والعمل الناجح فيها . وقد بسط هذا في مواضعه . وهذا معنى قوله تعالى : { قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } .

{ قُلْ } أي لهؤلاء الجاحدين : قد مضى دور الخوارق التي تقترحونها ، ونسخ تعالى من تلك الآيات بما أتى بخير منها ، وهو آية الهداية التي تصلح بها قلوب العالمين . والذكرى التي تزع النفوس عن الشر ، وتحملها على الخير . بحيث يظهر أثرها الحسن في المؤمنين ، ويحق الشقاء على الجاحدين المعاندين . فإن يك هذا سحرا ، ولديكم ما هو أهدى { فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا } أي من التوراة والقرآن { أَتَّبِعْهُ } أي ولا أعاندكم مثل ما تعاندونني { إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } أي في أنهما سحران مختلفان . أو في أنه يمكن الإتيان بما هو أهدى منهما .

قال أبو السعود : ومثل هذا الشرط مما يأتي به من يدل بوضوح حجته وسنوح محجته لأن الإتيان بما هو أهدى من الكتابين ، أمر بين الاستحالة . فيوسع دائرة الكلام للتبكيت والإفحام . انتهى .

أي لا للشك والتردد .

قال الشهاب : وهذا جواب عما يقال أن عدم إتيانهم به معلوم . وهذا كما يقول المدل : إن كنت صديقك القديم ، فعاملني بالجهل . وكذا في إيراد كلمة ( إن ) مع امتناع صدقهم ، نوع تهكم بهم .