تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُولِجُ ٱلَّيۡلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلَّيۡلِ وَسَخَّرَ ٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَۖ كُلّٞ يَجۡرِيٓ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗى وَأَنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ} (29)

{ 29 - 30 } { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ }

وهذا فيه أيضا ، انفراده بالتصرف والتدبير ، وسعة تصرفه بإيلاج الليل في النهار ، وإيلاج النهار في الليل ، أي : إدخال أحدهما على الآخر ، فإذا دخل أحدهما ، ذهب الآخر .

وتسخيره للشمس والقمر ، يجريان بتدبير ونظام ، لم يختل منذ خلقهما ، ليقيم بذلك من مصالح العباد ومنافعهم ، في دينهم ودنياهم ، ما به يعتبرون وينتفعون .

و { كُلّ } منهما { يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى } إذا جاء ذلك الأجل ، انقطع جريانهما ، وتعطل سلطانهما ، وذلك في يوم القيامة ، حين تكور الشمس ، ويخسف القمر ، وتنتهي دار الدنيا ، وتبتدئ الدار الآخرة .

{ وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ } من خير وشر { خَبِيرٌ } لا يخفى عليه شيء من ذلك ، وسيجازيكم على تلك الأعمال ، بالثواب للمطيعين ، والعقاب للعاصين .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُولِجُ ٱلَّيۡلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلَّيۡلِ وَسَخَّرَ ٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَۖ كُلّٞ يَجۡرِيٓ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗى وَأَنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ} (29)

ثم ذكر - سبحانه - الناس بجانب من مظاهر قدرته ونعمه عليهم ، لكى يخلصوا له العبادة والطاعة ، فقال - تعالى - : { أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله يُولِجُ . . . كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ } .

والاستفهام فى قوله - سبحانه - : { أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله يُولِجُ الليل فِي النهار . . . } للتقرير . والخطاب لكل من يصلح له ليعتبر ويتعظ ، ويخلص العبادة لله - تعالى - .

وقوله { يُولِجُ } من الإِيلاج بمعنى الإِدخال . يقال : ولج فلان منزله ، إذا دخله . . ثم استعير لزيادة زمان النهار فى الليل وعكسه ، بحسب المطالع .

أى : لقد رأيت وشاهدت - أيها العاقل - أن الله - تعالى - ، يدخل الليل فى النهار ، ويدخل النهار فى الليل ، ويزيد فى أحدهما وينقص من الآخر ، على حسب مشيئته وحكمته . .

وأنه - سبحانه - { وَسَخَّرَ الشمس والقمر } أى : ذللهما وجعلهما لمنفعة الناس ومصلحتهم ، كما جعلهما يسيران هما والليل والنهار ، بنظام بديع لا يتخلف .

وقوله : { كُلٌّ يجري إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى } كل من الشمس والقمر يجريان فى مدارهما بنظام ثابت محكم ، إلى الوقت الذى حدده - سبحانه - لنهاية سيرهما ، وهو يوم القيامة . قال ابن كثير : قوله : { إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى } قيل : إلى غاية محدودة .

وقيل : إلى يوم القيامة ، وكلا المعنيين صحيح . ويستشهد للقول الأول بحديث أبى ذر الذى فى الصحيحين ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يا أبا ذر ، أتدرى أين تذهب هذه الشمس ؟ قلت : الله ورسوله أعلم . قال : فإنهما تذهب فتسجد تحت العرش ، ثم تستأذن ربهما ، فيوشك أن يقال لها : ارجعى من حيث جئت " .

وقال الجمل : قوله : { ؛ إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى } قاله هنا بلفظ { إلى } ، وفى سورتى فاطر والزمر ، بلفظ " لأجل ، لأن ما هنا وقع بين آيتين دالتين على غاية ما ينتهى إليه الخلق ، وهما قوله : { مَّا خَلْقُكُمْ وَلاَ بَعْثُكُمْ . . . } الآية . وقوله { اتقوا رَبَّكُمْ واخشوا يَوْماً } الدالة على الانتهاء ، وما فى فاطر والزمر خال من ذلك . إذ ما فى فاطر لم يذكر مع ابتداء خلق ولا انتهائه ، وما فى الزمر ذكر ما ابتدائه ، فناسب ذكر اللام ، والمعنى يرى كل كما ذكر لبلوغ أجل مسمى .

وجملة { وَأَنَّ الله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } معطوفة على قوله : { تَرَ أَنَّ الله يُولِجُ } أى : لقد علمت أن الله - تعالى - قد فعل ذلك ، وأنه سبحانه - خبير ومطلع على كل عمل تعملونه - أيها الناس - دون أن يخفى عليه شئ منها .