تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي  
{وَلِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ يَغۡفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (129)

ولما نفى عن رسوله أنه ليس له من الأمر شيء قرر من الأمر له فقال { ولله ما في السماوات وما في الأرض } من الملائكة والإنس والجن والحيوانات والأفلاك والجمادات كلها ، وجميع ما في السماوات والأرض ، الكل ملك لله مخلوقون مدبرون متصرف فيهم تصرف المماليك ، فليس لهم مثقال ذرة من الملك ، وإذا كانوا كذلك فهم دائرون بين مغفرته وتعذيبه فيغفر لمن يشاء بأن يهديه للإسلام فيغفر شركه ويمن عليه بترك العصيان فيغفر له ذنبه ، { ويعذب من يشاء } بأن يكله إلى نفسه الجاهلة الظالمة المقتضية لعمل الشر فيعمل الشر ويعذبه على ذلك ، ثم ختم الآية باسمين كريمين دالين على سعة رحمته وعموم مغفرته وسعة إحسانه وعميم إحسانه ، فقال { والله غفور رحيم } ففيها أعظم بشارة بأن رحمته غلبت غضبه ، ومغفرته غلبت مؤاخذته ، فالآية فيها الإخبار عن حالة الخلق وأن منهم من يغفر الله له ومنهم من يعذبه ، فلم يختمها باسمين أحدهما دال على الرحمة ، والثاني دال على النقمة ، بل ختمها باسمين كليهما يدل على الرحمة ، فله تعالى رحمة وإحسان سيرحم بها عباده لا تخطر ببال بشر ، ولا يدرك لها وصف ، فنسأله تعالى أن يتغمدنا ويدخلنا برحمته في عباده الصالحين .